الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةُ وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلَى: {أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ} فَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ فِي الزَّوْجِ الْقَاذِفِ بِأَنْ يَلْتَعِنَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} الْآيَةُ الْقَذَفَةَ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَكَانَ الْقَاذِفُ الْحُرُّ الذِّمِّيُّ وَالْعَبْدُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إذَا قَذَفُوا الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ جُلِدُوا الْحَدَّ مَعًا فَجَلَدُوا الْحُرَّ حَدَّ الْحُرِّ وَالْعَبْدَ حَدَّ الْعَبْدِ وَأَنَّهُ لَمْ يَبْرَأْ قَاذِفٌ بَالِغٌ يَجْرِي عَلَيْهِ الْحُكْمُ مِنْ أَنْ يُحَدَّ حَدَّهُ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِمَا أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ الشُّهُودِ عَلَى الْمَقْذُوفَةِ لِأَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ عَلَى الْمَقْذُوفَةِ كَانَتْ الْآيَةُ فِي اللِّعَانِ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ عَامَّةٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْقَذَفَةِ فَكَانَ كُلُّ زَوْجٍ قَاذِفٍ يُلاَعِنُ أَوْ يُحَدُّ إنْ كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ لَهَا حَدٌّ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ عَلَى مَنْ قَذَفَهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَدٌّ تَعْزِيرًا وَعَلَيْهَا حَدٌّ إذَا لَمْ تَلْتَعِنْ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ لاَ افْتِرَاقَ بَيْنَ عُمُومِ الْآيَتَيْنِ مَعًا وَكَمَا جَعَلَ اللَّهُ الطَّلاَقَ إلَى الْأَزْوَاجِ قَالَ {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} وَقَالَ: {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فَكَانَ هَذَا عَامًّا لِلْأَزْوَاجِ وَالنِّسَاءِ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُ زَوْجٌ مُسْلِمٌ حُرٌّ وَلاَ عَبْدٌ وَلاَ ذِمِّيٌّ حُرٌّ وَلاَ عَبْدٌ فَكَذَلِكَ اللِّعَانُ لاَ يَخْرُجُ مِنْهُ زَوْجٌ وَلاَ زَوْجَةٌ وَقَالَ فِيمَا حَكَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لاَعَنَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ وَلَمْ يَتَكَلَّفْ أَحَدٌ حِكَايَةَ حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللِّعَانِ أَنْ يَقُولَ قَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ كَذَا وَلاَ لِلْمَرْأَةِ قَوْلِي كَذَا إنَّمَا تَكَلَّفُوا حِكَايَةَ جُمْلَةِ اللِّعَانِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا نَصَبَ اللِّعَانَ حِكَايَةً فِي كِتَابِهِ فَإِنَّمَا لاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ بِمَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ وَقَدْ حَكَى مَنْ حَضَرَ اللِّعَانَ فِي اللِّعَانِ مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ قَالَ فَإِذَا لاَعَنَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَقَالَ لِلزَّوْجِ قُلْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا ثُمَّ رَدَّهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ بِهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الرَّابِعَةِ وَقَفَهُ وَذَكَّرَهُ وَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ تَبُوءَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَإِنَّ قَوْلَك إنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا مُوجِبَةٌ يُوجِبُ عَلَيْك اللَّعْنَةَ إنْ كُنْت كَاذِبًا فَإِنْ وَقَفَ كَانَ لَهَا عَلَيْهِ الْحَدُّ إنْ قَامَتْ بِهِ وَإِنْ حَلَفَ لَهَا فَقَدْ أَكْمَلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ اللِّعَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ فَتَقُولَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا حَتَّى تَقُولَهَا أَرْبَعًا فَإِذَا أَكْمَلَتْ أَرْبَعًا وَقَفَهَا وَذَكَّرَهَا وَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاحْذَرِي أَنْ تَبُوئِي بِغَضَبِ اللَّهِ فَإِنَّ قَوْلَك: عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا يُوجِبُ عَلَيْك غَضَبَ اللَّهِ إنْ كُنْت كَاذِبَةً فَإِنْ مَضَتْ فَقَدْ فَرَغَتْ مِمَّا عَلَيْهَا وَسَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَهَذَا الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا وَاَللَّهُ وَلِيُّ أَمْرِهِمَا فِيمَا غَابَ عَمَّا قَالاَ. فَإِنْ لاَعَنَهَا بِإِنْكَارِ وَلَدٍ أَوْ حَبَلٍ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ إنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَإِنَّ وَلَدَهَا هَذَا أَوْ حَبَلَهَا هَذَا إنْ كَانَ حَبَلاً لَمِنْ زِنًا مَا هُوَ مِنِّي ثُمَّ يَقُولُهَا فِي كُلِّ شَهَادَةٍ وَفِي قَوْلِهِ وَعَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ حَتَّى تَدْخُلَ مَعَ حَلِفِهِ عَلَى صِدْقِهِ عَلَى الزِّنَا لِأَنَّهُ قَدْ رَمَاهَا بِشَيْئَيْنِ بِزِنًا وَحَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ يَنْفِيه فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الشَّهَادَاتِ أَرْبَعًا ثُمَّ فَصَلَ بَيْنَهُنَّ بِاللَّعْنَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْغَضَبِ فِي الْمَرْأَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى حَالِ افْتِرَاقِ الشَّهَادَاتِ فِي اللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ وَاللَّعْنَةُ وَالْغَضَبُ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مُوجِبَتَانِ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُتَجَرِّئٌ عَلَى النَّفْيِ وَعَلَى الشَّهَادَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بَاطِلاً ثُمَّ يَزِيدُ فَيَجْتَرِئُ عَلَى أَنْ يَلْتَعِنَ وَعَلَى أَنْ يَدْعُوَ بِلَعْنَةِ اللَّهِ فَيَنْبَغِي لِلْوَالِي إذَا عَرَفَ مِنْ ذَلِكَ مَا جَهِلاَ أَنْ يُفَقِّهَهُمَا نَظَرًا لَهُمَا اسْتِدْلاَلاً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لاَعَنَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَمَرَ رَجُلاً أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ فِي الْخَامِسَةِ وَقَالَ إنَّهَا مُوجِبَةٌ» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنْ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ «أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلاَنِيَّ جَاءَ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ يَا عَاصِمُ أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْته عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهُ لاَ أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك فَاذْهَبْ فَائِت بِهَا فَقَالَ سَهْلٌ فَتَلاَعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلاَعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتهَا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ يُحَدِّث عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ قَالَ «جَاءَ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلاَنِيُّ إلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ: يَا عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَيُقْتَلُ بِهِ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَعَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ فَلَقِيَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ مَا صَنَعْت؟ قَالَ صَنَعَتْ أَنَّك لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَابَ الْمَسَائِلَ فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاَللَّهُ لاَتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاََسْأَلَنَّهُ فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِيهِمَا فَدَعَاهُمَا فَلاَعَنَ بَيْنَهُمَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ لَئِنْ انْطَلَقْت بِهَا لَقَدْ كَذَبْت عَلَيْهَا فَفَارَقَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَصَارَتْ سُنَّةً فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَبْصَرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَدْعَجَ الْعَيْنَيْنِ عَظِيمَ الْأَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا كَاذِبًا» قَالَ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْوَحَرَةُ دَابَّةٌ تُشْبِهُ الْوَزَغَ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنْ جَاءَتْ بِهِ أَشْقَرَ سَبْطًا فَهُوَ لِزَوْجِهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ» فَجَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ فَلَمَّا انْتَهَى إلَى فِرَاقِهَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ فَفَارَقَهَا وَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِرَاقِهَا فَمَضَتْ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أَحْسَبُهُ إلَّا كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْحَمَ أَعَيْنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلاَ أَحْسَبُهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْأَمْرِ الْمَكْرُوهِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ «أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلاَعِنِينَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى فِيك وَفِي امْرَأَتِك» فَتَلاَعَنَا وَأَنَا شَاهِدٌ ثُمَّ فَارَقَهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ السُّنَّةُ بَعْدُ فِيهِمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ قَالَ فَكَانَتْ حَامِلاً فَأَنْكَرَهُ فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إلَى أُمِّهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ فَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ كَأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا غَيْرَ مُخْتَلِفٍ يَقُولُهُ مَرَّةً ابْنُ شِهَابٍ وَلاَ يَذْكُرُ سَهْلاً وَيَقُولُهُ أُخْرَى وَيَذْكُرُ سَهْلاً وَوَافَقَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ فِيمَا زَادَ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ عَلَى حَدِيثِ مَالِكٍ وَقَدْ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ شَهِدْتُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُتْقِنْهُ إتْقَانَ هَؤُلاَءِ. أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَاَللَّهِ مَا لِي عَهْدٌ بِأَهْلِي مُنْذُ عِفَارِ النَّخْلِ وَعِفَارُهَا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُؤَبَّرُ تُعَفَّرُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلاَ تُسْقَى إلَّا بَعْدَ الْإِبَارِ قَالَ فَوَجَدْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً قَالَ وَكَانَ زَوْجُهَا مُصْفَرًّا حَمْشَ السَّاقَيْنِ سَبْطَ الشَّعْرِ وَاَلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ خَدْلاً إلَى السَّوَادِ جَعْدًا قَطِطًا مُسْتَهًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَيِّنْ ثُمَّ لاَعَنَ بَيْنَهُمَا فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُشْبِهُ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ». أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ شَهِدْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ الْمُتَلاَعِنَيْنِ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ أَهِيَ الَّتِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْت رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتهَا؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لاَ، تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ قَدْ أَعْلَنَتْ. أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ أَنَّهُ سَمِعَ الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ الْمَقْبُرِيُّ وَحَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجِبْ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ بِهِ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ». وَسَمِعْتُ ابْنَ عُيَيْنَةَ يَقُولُ أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي قَالَ لاَ مَالَ لَك إنْ كُنْت صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْت كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا أَوْ مِنْهُ». أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ «فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ قَالَ هَكَذَا بِأُصْبُعِهِ الْمُسَبِّحَةِ وَالْوُسْطَى فَقَرَنَهُمَا الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا يَعْنِي الْمُسَبِّحَةَ قَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟» أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَجُلاً لاَعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَفِي حُكْمِ اللِّعَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ثُمَّ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلاَئِلُ وَاضِحَةٌ يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَنْتَدِبُوا بِمَعْرِفَتِهِ ثُمَّ يَتَحَرَّوْا أَحْكَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَمْثَالِهِ فَهُوَ دُونَ الْفَرْضِ وَتَنْتَفِي عَنْهُمْ الشُّبَهُ الَّتِي عَارَضَ بِهَا مَنْ جَهِلَ لِسَانَ الْعَرَبِ وَبَعْضَ السُّنَنِ وَغَبِيَ عَنْ مَوْضِعِ الْحُجَّةِ مِنْهَا «أَنَّ عُوَيْمِرًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ». وَذَلِكَ أَنَّ عُوَيْمِرًا لَمْ يُخْبِرْهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَانَتْ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ». وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَاهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} إلَى قَوْلِهِ: {بِهَا كَافِرِينَ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: كَانَتْ الْمَسَائِلُ فِيهَا فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ إذَا كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ بِمَكْرُوهٍ لِمَا ذَكَرْت مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثُمَّ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ فِيمَا فِي مَعْنَاهُ وَفِي مَعْنَاهُ كَرَاهِيَةُ لَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يُحَرَّمْ فَإِنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرُمَ أَبَدًا إلَّا أَنْ يَنْسَخَ اللَّهُ تَحْرِيمَهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ يَنْسَخَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةً لِسُنَّةٍ. وَفِيهِ دَلاَئِلُ عَلَى أَنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَامٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَا وَصَفْت وَغَيْرَهُ مِنْ افْتِرَاضِ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتَهُ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ وَمَا جَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا قَدْ وَصَفْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَفِيهِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ وَرَدَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَكَانَتْ حُكْمًا وَقَفَ عَنْ جَوَابِهَا حَتَّى أَتَاهُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْحُكْمُ فِيهَا «فَقَالَ لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيك وَفِي صَاحِبَتِك» فَلاَعَنَ بَيْنَهُمَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي اللِّعَانِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ وَنَفَاهُ عَنْ الْأَبِ وَقَالَ لَهُ «لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» وَلَمْ يَرْدُدْ الصَّدَاقَ عَلَى الزَّوْجِ فَكَانَتْ هَذِهِ أَحْكَامًا وَجَبَتْ بِاللِّعَانِ لَيْسَتْ بِاللِّعَانِ بِعَيْنِهِ فَالْقَوْلُ فِيهَا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنِّي سَمِعْتُ مِمَّنْ أَرْضَى دِينَهُ وَعَقْلَهُ وَعِلْمَهُ يَقُولُ إنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا وَلاَ غَيْرِهَا إلَّا بِأَمْرِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ: فَأَمْرُ اللَّهِ إيَّاهُ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَحْيٌ يُنْزِلُهُ فَيُتْلَى عَلَى النَّاسِ وَالثَّانِي رِسَالَةٌ تَأْتِيه عَنْ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ افْعَلْ كَذَا فَيَفْعَلَهُ وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَنْ يَقُولَ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْك الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَك مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} فَيَذْهَبَ إلَى أَنَّ الْكِتَابَ هُوَ مَا يُتْلَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحِكْمَةَ هِيَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّسَالَةُ عَنْ اللَّهِ مِمَّا بَيَّنَتْ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَزْوَاجِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ يَقُولَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الزَّانِي بِامْرَأَةِ الرَّجُلِ الَّذِي صَالَحَهُ عَلَى الْغَنَمِ وَالْخَادِمِ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ أَمَا إنَّ الْغَنَمَ وَالْخَادِمَ رَدَّ عَلَيْك وَإِنَّ امْرَأَتَهُ تُرْجَمُ إذَا اعْتَرَفَتْ» وَجَلَدَ ابْنَ الرَّجُلِ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَلَعَلَّهُ يَذْهَبُ إلَى أَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ الْوَحْيَ فِي قَضِيَّةٍ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فِيهَا انْتَظَرَهُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ قَضِيَّةٍ وَإِذَا كَانَتْ قَضِيَّةٌ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَمَا أُنْزِلَ فِي حَدِّ الزَّانِي وَقَضَاهَا عَلَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي تَبْيِينٍ عَنْ اللَّهِ يَمْضِي مَعْنَى مَا أَرَادَ بِمَعْرِفَةِ الْوَحْيِ الْمَتْلُوِّ وَالرِّسَالَةِ إلَيْهِ الَّتِي تَكُونُ بِهَا سُنَّتُهُ لِمَا يَحْدُثُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا مَا تُبَيِّنُ مِمَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُبِينِ عَنْ مَعْنَى مَا أَرَادَ اللَّهُ بِحَمْلِهِ خَاصًّا وَعَامًّا، وَالْآخَرُ مَا أَلْهَمَهُ اللَّهُ مِنْ الْحِكْمَةِ وَإِلْهَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلُ أَنْ يَقُولَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا يُحْكَى عَنْ إبْرَاهِيمَ: {إنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُك فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ لِقَوْلِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرَ بِذَبْحِهِ: {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} وَمَعْرِفَتُهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ أَمْرٌ أُمِرَ بِهِ وَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيِّهِ: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاك إلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} إلَى قَوْلِهِ: {فِي الْقُرْآنِ} وَقَالَ غَيْرُهُمْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْيٌ وَبَيَانٌ عَنْ وَحْيٍ وَأَمْرٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ بِمَا أَلْهَمَهُ مِنْ حِكْمَتِهِ وَخَصَّهُ بِهِ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَفَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ اتِّبَاعَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِهِ قَالَ وَلَيْسَ تَعْدُو السُّنَنُ كُلُّهَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي وَصَفْت بِاخْتِلاَفِ مَنْ حَكَيْت عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَيَّهَا كَانَ فَقَدْ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ وَفَرَضَ عَلَيْهِمْ اتِّبَاعَ رَسُولِهِ فِيهِ، وَفِي انْتِظَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ حَتَّى جَاءَهُ فَلاَعَنَ ثُمَّ سَنَّ الْفُرْقَةَ وَسَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ وَلَمْ يَرُدَّ الصَّدَاقُ عَلَى الزَّوْجِ وَقَدْ طَلَبَهُ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ سُنَّتَهُ لاَ تَعْدُو وَاحِدًا مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَهَبَ إلَيْهَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا تُبَيِّنُ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ إمَّا بِرِسَالَةٍ مِنْ اللَّهِ أَوْ إلْهَامٍ لَهُ وَإِمَّا بِأَمْرٍ جَعَلَهُ اللَّهُ إلَيْهِ لِمَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهُ مِنْ دِينِهِ وَبَيَانُ الْأُمُورِ مِنْهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الظَّاهِرِ وَلاَ يُقِيمَ حَدًّا بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُشْبِهُ الِاعْتِرَافَ مِنْ الْمُقَامِ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ بَيِّنَةً وَلاَ يُسْتَعْمَلُ عَلَى أَحَدٍ فِي حَدٍّ وَلاَ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ دَلاَلَةٌ عَلَى كَذِبِهِ وَلاَ يُعْطِي أَحَدًا بِدَلاَلَةٍ عَلَى صِدْقِهِ حَتَّى تَكُونَ الدَّلاَلَةُ مِنْ الظَّاهِرِ فِي الْعَامِّ لاَ مِنْ الْخَاصِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا فِي أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْوُلاَةِ أَوْلَى أَنْ لاَ يَسْتَعْمِلَ دَلاَلَةً وَلاَ يَقْضِيَ إلَّا بِظَاهِرٍ أَبَدًا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى هَذَا؟ قُلْنَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ إنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ» فَحَكَمَ عَلَى الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ حُكْمًا وَاحِدًا أَنْ أَخْرَجَهُمَا مِنْ الْحَدِّ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنْ جَاءَتْ بِهِ أُحَيْمِرَ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَدْعَج فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ» فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا حَكَمَ اللَّهُ» فَأَخْبَرَ أَنْ صَدَقَ الزَّوْجُ عَلَى الْمُلْتَعِنَةِ بِدَلاَلَةٍ عَلَى صِدْقِهِ وَكَذِبِهِ بِصِفَتَيْنِ فَجَاءَتْ دَلاَلَةٌ عَلَى صِدْقِهِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلْ عَلَيْهَا الدَّلاَلَةَ وَأَنْفُذ عَلَيْهَا ظَاهِرَ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ ادِّرَاء الْحَدِّ وَإِعْطَائِهَا الصَّدَاقَ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا حَكَمَ اللَّهُ». وَفِي مِثْلِ مَعْنَى هَذَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ كَلاَمِ الْخَصْمَيْنِ وَإِنَّمَا يَحِلُّ لَهُمَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا فِيمَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ اللَّهِ عَلَى مَا يَعْلَمَانِ، وَمِنْ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ} إلَى قَوْلِهِ: {لَكَاذِبُونَ} فَحَقَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِمَاءَهُمْ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِسْلاَمِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى الْمُنَاكَحَةِ وَالْمُوَارَثَةِ وَكَانَ اللَّهُ أَعْلَمَ بِدِينِهِمْ بِالسَّرَائِرِ فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ: {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ}. وَهَذَا يُوجِبُ عَلَى الْحُكَّامِ مَا وَصَفْت مِنْ تَرْكِ الدَّلاَلَةِ الْبَاطِنَةِ وَالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْقَوْلِ أَوْ الْبَيِّنَةِ أَوْ الِاعْتِرَافِ أَوْ الْحُجَّةِ وَدَلَّ أَنَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَنْتَهُوا إلَى مَا انْتَهَى بِهِمْ إلَيْهِ كَمَا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ إلَى مَا انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ وَلَمْ يُحْدِثْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَأَمْضَاهُ عَلَى الْمُلاَعَنَةِ بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ صِدْقِ زَوْجِهَا عَلَيْهَا بِالِاسْتِدْلاَلِ بِالْوَلَدِ أَنْ يَحُدَّهَا حَدَّ الزَّانِيَةِ فَمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْحُكَّامِ أَوْلَى أَنْ لاَ يُحْدِثَ فِي شَيْءٍ لِلَّهِ فِيهِ حُكْمٌ وَلاَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ مَا حَكَمَا بِهِ بِعَيْنِهِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ وَوَاجِبٌ عَلَى الْحُكَّامِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ لاَ يَقُولُوا إلَّا مِنْ وَجْهٍ لَزِمَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَنَازِلِ اجْتَهَدُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَقُولُوا مِثْلَ مَعْنَاهُ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُحْدِثُوا حُكْمًا لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَا وَلاَ فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ وَلَمَّا حَكَمَ اللَّهُ عَلَى الزَّوْجِ يَرْمِي الْمَرْأَةَ بِاللِّعَانِ وَلَمْ يَسْتَثْنِ إنْ سَمَّى مَنْ يَرْمِيهَا بِهِ أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ وَرَمَى الْعَجْلاَنِيِّ امْرَأَتَهُ بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَالْتَعَنَ وَلَمْ يُحْضِرْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَرْمِيَّ بِالْمَرْأَةِ وَالْتَعَنَ الْعَجْلاَنِيِّ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إذَا الْتَعَنَ لَمْ يَكُنْ لِلرَّجُلِ الَّذِي رَمَاهُ بِامْرَأَتِهِ عَلَيْهِ حَدٌّ وَلَوْ كَانَ أَخَذَهُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعَثَ إلَى الْمَرْمِيِّ فَسَأَلَهُ فَإِنْ أَقَرَّ حُدَّ وَإِنْ أَنْكَرَ حُدَّ لَهُ الزَّوْجُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ لِلْإِمَامِ إذَا رَمَى رَجُلٌ رَجُلاً بِزِنًا أَوْ حَدًّا أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِ وَيَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَلاَ تَجَسَّسُوا} قَالَ وَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ أُنَيْسًا إلَى امْرَأَةِ رَجُلٍ فَقَالَ إنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا أَنَّهَا زَنَتْ فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ فَإِنْ أَقَرَّتْ حَدَثَ وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفِهَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا لَزِمَهُ الْحَدُّ إنْ لَمْ تُقِرَّ وَسَقَطَ عَنْهُ إنْ أَقَرَّتْ وَلَزِمَهَا فَلاَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُحَدَّ رَجُلٌ لِامْرَأَةِ وَلَعَلَّهَا تُقِرُّ بِمَا قَالَ وَلاَ يَتْرُكُ الْإِمَامُ الْحَدَّ لَهَا وَقَدْ سَمِعَ قَذْفَهَا حَتَّى تَكُونَ تَتْرُكُهُ فَلَمَّا كَانَ الْقَاذِفُ لِامْرَأَتِهِ إذَا الْتَعَنَ لَوْ جَاءَ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ يَطْلُبُ حَدَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ لَهُ الْحَدُّ فِي الْقَذْفِ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَقْذُوفُ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَسْأَلَةِ الْمَقْذُوفِ مَعْنًى إلَّا أَنْ يَسْأَلَ لِيَحُدَّ وَلَمْ يَسْأَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَقْذُوفَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِلْحَدِّ الَّذِي يَقَعُ لَهَا إنْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَلْتَعِنْ الزَّوْجُ. وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا لَمْ تُحَدَّ زَوْجُهَا وَلَمْ يَلْتَعِنْ وَجُلِدَتْ أَوْ رُجِمَتْ وَإِنْ رَجَعَتْ لَمْ تُحَدَّ لِأَنَّ لَهَا فِيمَا أَقَرَّتْ بِهِ مِنْ حَدِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرُّجُوعَ وَلَمْ يُحَدَّ زَوْجُهَا لِأَنَّهَا مُقِرَّةٌ بِالزِّنَا وَلَمَّا حَكَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ شُهُودَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ مَعَ حَدَاثَتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ عُمَرَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لاَ يَكُونُ إلَّا بِمَحْضَرِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ لاَ يَحْضُرُ أَمْرًا يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتْرَهُ وَلاَ يَحْضُرُهُ إلَّا وَغَيْرُهُ حَاضِرٌ لَهُ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ حُدُودِ الزِّنَا يَشْهَدُهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الزِّنَا أَقَلُّ مِنْهُمْ وَهَذَا يُشْبِهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزَّانِيَيْنِ «وَلِيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ» وَقَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فِي حَدِيثِهِ فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ. وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَاحْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْحُكْمِ فَكَانَ ذَلِكَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ اللِّعَانُ فُرْقَةً حَتَّى يُجَدِّدَهَا الزَّوْجُ وَلَمْ يُجْبَرْ الزَّوْجُ عَلَيْهَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وَلَوْ كَانَ هَذَا هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعِيبُ عَلَى الْمُطَلِّقِ ثَلاَثًا أَنْ يُطَلِّقَهَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا إلَّا وَاحِدَةً قَالَ لاَ تَفْعَلْ مِثْلَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَسَأَلَ وَإِذْ لَمْ يَنْهَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّلاَقِ ثَلاَثًا بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَوْ كَانَ طَلاَقُهُ إيَّاهَا كَصَمْتِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ اللِّعَانُ فُرْقَةً فَجَهِلَهُ الْمُطَلِّقُ ثَلاَثًا أَشْبَهَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُعَلِّمَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلاَثًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِيهِ الطَّلاَقُ وَيَحْتَمِلُ طَلاَقُهُ ثَلاَثًا أَنْ يَكُونَ بِمَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ بِعِلْمِهِ بِصِدْقِهِ وَكَذِبِهَا وَجَرَاءَتِهَا عَلَى الْيَمِينِ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا جَاهِلاً بِأَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَة فَكَانَ كَمَنْ طَلَّقَ مَنْ طَلَّقَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ طَلاَقِهِ وَكَمَنْ شَرَطَ الْعُهْدَةَ فِي الْبَيْعِ وَالضَّمَانِ وَالسَّلَفِ وَهُوَ يَلْزَمُهُ شَرَطَ أَوْ لَمْ يَشْرُطْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنْ هَذَا الْمَعْنَى أَوْلَى الْمَعَانِي بِهِ؟ قِيلَ قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَابْنُ شِهَابٍ فَفَارَقَهَا حَامِلاً فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ فَمَعْنَى قَوْلِهِمَا الْفُرْقَةُ لاَ أَنَّ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَنَّهُ لاَ تَقَعُ فُرْقَةٌ إلَّا بِطَلاَقِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ وَزَادَ ابْنُ عُمَرَ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ» وَتَفْرِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ فُرْقَةِ الزَّوْجِ إنَّمَا هُوَ تَفْرِيقُ حُكْمٍ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَانِ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَلَيْسَا عِنْدِي مُخْتَلِفَيْنِ وَقَدْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ شَهِدَ مُتَلاَعِنَيْنِ غَيْرَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَهُمَا سَهْلٌ وَأَخْبَرَ عَمَّا شَهِدَ وَأَخْبَرَ سَهْلٌ عَمَّا شَهِدَ فَيَكُونُ اللِّعَانُ إذَا كَانَ فُرْقَةً بِطَلاَقِ الزَّوْجِ وَسُكُوتِهِ سَوَاءٌ أَوْ يَكُونُ ابْنُ عُمَرَ شَهِدَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ اللَّذَيْنِ شَهِدَ سَهْلٌ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ أَنَّ اللِّعَانَ فُرْقَةٌ فَحَكَى أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ سَمِعَ الزَّوْجَ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ وَذَهَبَ عَلَى سَهْلٍ حِفْظُهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي حَدِيثِهِ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلاَفًا هَذَا حِكَايَةٌ لِمَعْنًى بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفِينَ أَوْ مُجْتَمِعَيْ الْمَعْنَى مُخْتَلِفَيْ اللَّفْظِ أَوْ حَفِظَ بَعْضَ مَا لَمْ يَحْفَظْ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ وَلَمَّا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ» دَلَّ عَلَى مَا وَصَفْتُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ وَاَللَّهُ وَلِيُّ مَا غَابَ عَنْهُ وَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لاَ سَبِيلَ لَك عَلَيْهَا» اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ الْمُتَلاَعِنَيْنِ لاَ يَتَنَاكَحَانِ أَبَدًا إذْ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك أَوْ تَفْعَلَ كَذَا أَوْ يَكُونَ كَذَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُطَلِّقِ الثَّالِثَةَ «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا» وَاسْتَدْلَلْنَا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى الْوَلَدَ وَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ وَالْفِرَاشُ ثَابِتٌ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَيَزُولُ الْفِرَاشُ عِنْدَ النَّفْيِ وَيَرْجِعُ إذَا أَقَرَّ بِهِ قِيلَ لَهُ لَمَّا «سَأَلَ زَوْجُ الْمَرْأَةِ الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَاهَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كُنْت صَدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْت كَذَبْت عَلَيْهَا فَذَلِكَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا أَوْ مِنْهُ» دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنْ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِالصَّدَاقِ الَّذِي قَدْ لَزِمَهُ بِالْعَقْدِ وَالْمَسِيسِ مَعَ الْعَقْدِ وَكَانَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهِ جَاءَتْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهِ وَقَدْ رَمَاهَا بِالزِّنَا قِيلَ لَهُ قَدْ كَانَ يَحِلُّ لَهُ الْمُقَامُ مَعَهَا وَإِنْ زَنَتْ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كَذَبَ عَلَيْهَا فَالْفُرْقَةُ بِهِ كَانَتْ لِأَنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِهَا إلَّا بِقَذْفِهِ وَالْتِعَانِهِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ لَهَا سَبَبًا كَمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْخُلْعِ فَيَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ الْخُلَعَ وَالْمُلاَعَنُ لَيْسَ بِمَغْرُورٍ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَلاَ بِحَرَامٍ وَمَا أَشْبَهَهُ يَرْجِعُ بِالْمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ وَلَمَّا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ الَّذِي حَكَى فِيهِ حُكْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلاً فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا فَكَانَ وَلَدُهَا يُنْسَبُ إلَى أُمِّهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعَانٍ مِنْهَا قَدْ شُبِّهَ عَلَى بَعْضِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ فِيهَا أَنَّهُ رَمَاهَا بِالزِّنَا وَرَمْيُهُ إيَّاهَا بِالزِّنَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ اللِّعَانُ وَمِنْهَا أَنَّهُ أَنْكَرَ حَمْلَهَا فَلاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا وَجَعَلَ الْحَمْلَ إنْ كَانَ مَنْفِيًّا عَنْهُ إذْ زَعَمَ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا وَقَالَ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا فَهُوَ لِلَّذِي يَتَّهِمُهُ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى ذَلِكَ النَّعْتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ تَرَى أَنَّهَا حُبْلَى مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي قِيلَ لَهُ أَرَدْت أَنَّهَا زَنَتْ؟ فَإِنْ قَالَ لاَ وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَكِنِّي لَمْ أُصِبْهَا قِيلَ لَهُ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُخْطِئَ هَذَا الْحَبَلُ فَتَكُونَ صَادِقًا وَتَكُونَ غَيْرَ زَانِيَةٍ فَلاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ حَتَّى تَضَعَ فَإِذَا اسْتَيْقَنَا أَنَّهُ حَبَلٌ قُلْنَا مَا أَرَدْت؟ فَإِنْ قَالَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قُلْنَا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلَهَا فَتَحْبَلَ مِنْك فَتَكُونَ أَنْتَ صَادِقًا فِي الظَّاهِرِ بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك فَإِنْ قَذَفْتَ لاَعَنْتَ وَنَفَيْت الْوَلَدَ أَوْ حُدِدْت وَلاَ يُلاَعَن بِحَمْلٍ لاَ قَذْفَ مَعَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ حَمْلاً. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ نَظَرَ فِي الْعِلْمِ إلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُلاَعِنْ بِالْحَمْلِ وَإِنَّمَا لاَعَنَ بِالْقَذْفِ وَنَفَى الْوَلَدَ إذَا كَانَ مِنْ الْحَمْلِ الَّذِي بِهِ الْقَذْفُ وَلَمَّا نَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَدَ عَنْ الْعَجْلاَنِيِّ بَعْدَمَا وَضَعَتْهُ أُمُّهُ وَبَعْدَ تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ اسْتَدْلَلْنَا هَذَا الْحُكْمَ وَحُكْمُ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ لاَ يُنْفَى إلَّا بِلِعَانٍ وَعَلَى أَنَّهُ كَانَ لِلزَّوْجِ نَفْيُهُ وَامْرَأَتُهُ عِنْدَهُ وَإِذَا لاَعَنَهَا كَانَ لَهُ نَفْيُ وَلَدِهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ بَعْدَ مَا يُطَلِّقُهَا ثَلاَثًا لِأَنَّهُ بِسَبَبِ النِّكَاحِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ يَوْمَ نَفَاهُ وَلَيْسَتْ لَهُ بِزَوْجَةٍ وَلَكِنَّهُ مِنْ زَوْجَةٍ كَانَتْ وَبِإِنْكَارٍ مُتَقَدِّمٍ لَهُ قَالَ وَسَوَاءٌ قَالَ رَأَيْت فُلاَنًا يَزْنِي بِهَا أَوْ لَمْ يُسَمِّهِ فَإِذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا وَادَّعَى الرُّؤْيَةَ لِلزِّنَا أَوْ لَمْ يَدَّعِهَا أَوْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ حَتَّى عَلِمْتُ أَنَّ الْحَمْلَ لَيْسَ مِنِّي أَوْ لَمْ يَقُلْهُ يُلاَعِنُهَا فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ كُلِّهَا وَيَنْفِي عَنْهُ الْوَلَدَ إذَا أَنْكَرَهُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ فِي أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهَا زَنَتْ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَمْ يَرَهَا تَزْنِي قَبْلَهُ بِبَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ زِنًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَبَلُ مِنْهُ إنَّمَا يُنْفَى عَنْهُ إذَا ادَّعَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ: الرَّجُلُ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ وَهُوَ يُقِرُّ بِأَنَّهُ قَدْ أَصَابَهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي رَأَى عَلَيْهَا فِيهِ مَا رَأَى أَوْ قَبْلَ أَنْ يَرَى عَلَيْهَا مَا رَأَى أَيْ قَالَ يُلاَعِنُهَا وَالْوَلَدُ لَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْت لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت إنْ نَفَاهُ بَعْدَ أَنْ تَضَعَهُ؟ قَالَ يُلاَعِنُهَا وَالْوَلَدُ لَهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَبِهَذَا كُلِّهِ نَقُولُ وَهُوَ مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِحَمْلِهَا فَلاَ يَكُونُ لَهُ نَفْيُهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ الرَّجُلُ يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ تُهْدَى إلَيْهِ قَالَ يُلاَعِنُهَا وَالْوَلَدُ لَهَا قَالَ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ يُلاَعِنُهَا وَالْوَلَدُ لَهَا إذَا قَذَفَهَا قَبْلَ أَنْ تُهْدَى إلَيْهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَهُوَ يَقُولُ لَمْ أَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَالَ يُلاَعِنُهَا وَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْعِلْمِ إلَى أَنَّهُ يَنْفِي الْوَلَدَ إذَا قَالَ قَدْ اسْتَبْرَأْتهَا فَكَأَنَّهُ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى نَفْيِ الْوَلَدِ عَنْ الْعَجْلاَنِيِّ إذْ قَالَ لَمْ أَقْرَبْهَا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَلَسْنَا نَقُولُ بِهَذَا نَحْنُ نَنْفِي الْوَلَدَ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ إذَا أَنْكَرَهُ فِيمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ آخُذُ بِالْحَدِيثِ عَلَى مَا جَاءَ قِيلَ لَهُ فَالْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعَجْلاَنِيَّ سَمَّى الَّذِي رَأَى بِعَيْنِهِ يَزْنِي بِهَا وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْ هُوَ امْرَأَتَهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَلاَمَةَ الَّتِي تُثْبِتُ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي الْوَلَدِ أَفَرَأَيْت إنْ قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُسَمِّ مَنْ أَصَابَهَا وَلَمْ يَدَّعِ رُؤْيَتَهُ؟ فَإِنْ قَالَ يُلاَعِنُهَا قِيلَ لَهُ أَفَرَأَيْت إنْ أَنْكَرَ الْحَمْلَ وَلَمْ يَرَ الْحَاكِمُ فِيهِ عَلاَمَةً بِصِدْقِ الزَّوْجِ أَيَنْفِيهِ؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ قِيلَ فَقَدْ لاَعَنَتْ قَبْلَ ادِّعَاءِ رُؤْيَتِهِ وَإِنَّمَا لاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِادِّعَاءِ رُؤْيَةِ الزَّوْجِ وَنَفَيْت بِغَيْرِ دَلاَلَةٍ عَلَى صِدْقِ الزَّوْجِ وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِدْقَ الزَّوْجِ فِي شَبَهِ الْوَلَدِ. فَإِنْ قَالَ: فَمَا حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك فِي هَذَا؟ قُلْت مِثْلُ حُجَّتِنَا إذَا فَارَقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ قُلْنَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ سُنَّةُ الْمُتَلاَعِنَيْنِ الْفُرْقَةَ وَلَمْ يَقُلْ حِينَ فَرَّقَ إنَّهَا ثَلاَثٌ. فَإِنْ قَالَ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى مَا وَصَفْتَ مِنْ أَنْ يُنْفَى الْوَلَدُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ الِاسْتِبْرَاءَ، وَيُلاَعَن وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الزَّوْجُ الرُّؤْيَةَ؟ قِيلَ مِثْلُ الدَّلِيلِ عَلَى كَيْفَ لاَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَحْكِ عَنْهُ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَأَوْجَدْنَا مَا وَصَفْت قُلْت قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} فَكَانَتْ الْآيَةُ عَامَّةً عَلَى رَامِي الْمُحْصَنَةِ فَكَانَ سَوَاءٌ قَالَ الرَّامِي لَهَا رَأَيْتهَا تَزْنِي أَوْ رَمَاهَا وَلَمْ يَقُلْ رَأَيْتهَا تَزْنِي فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْمُ الرَّامِي قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} إلَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} الْآيَةُ فَكَانَ الزَّوْجُ رَامِيًا قَالَ رَأَيْت أَوْ عَلِمْتُ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ فَلِمَا قُبِلَ مِنْهُ مَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ مِمَّنْ الْقَذْفُ رَأَيْت يُلاَعِنُ بِهِ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْقَذَفَةِ غَيْرُ خَارِجٍ مِنْهُمْ إذَا كَانَ إنَّمَا قُبِلَ فِي هَذَا قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ شَاهِدٍ لِنَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ إنَّ هَذَا الْحَمْلَ لَيْسَ مِنِّي وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْتِبْرَاءً قَبْلَ الْقَذْفِ لِاخْتِلاَفٍ بَيْنَ ذَلِكَ. قَالَ وَقَدْ يَكُونُ اسْتَبْرَأَهَا وَقَدْ عَلِقَتْ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَالَتْ قَدْ اسْتَبْرَأَنِي تِسْعَةَ أَشْهُرٍ حِضْت فِيهَا تِسْعَ حِيَضٍ ثُمَّ جَاءَتْ بَعْدُ بِوَلَدٍ لَزِمَهُ وَإِنَّ الْوَلَدَ يَلْزَمُهُ بِالْفِرَاشِ وَأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لاَ مَعْنَى لَهُ مَا كَانَ الْفِرَاشُ قَائِمًا فَلَمَّا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِبْرَاءُ قَدْ كَانَ وَحَمْلٌ قَدْ تَقَدَّمَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَهَا وَالْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا فِي جَمِيعِ دَعْوَاهُ لِلزِّنَا وَنَفْيِ الْوَلَدِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ وَنَفَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ الْوَلَدَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ إنَّمَا هُوَ بِقَوْلِهِ وَلَمَّا كُنَّا إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ حَدَدْنَاهُ وَأَلْحَقْنَا بِهِ الْوَلَدَ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنْ نَفْيَ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ نَفْيُ الْوَلَدِ لاَ يَكُونُ إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ فَمَضَى الْحُكْمُ بِنَفْيِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُلْحِقَهُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِقَوْلِهِ فَقَطْ دُونَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءُ غَيْرُ قَوْلِهِ فَلَمَّا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ مَا وَصَفَ مِنْ لِعَانِ الزَّوْجِ «وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ» الْآيَةُ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعَذَابَ وَالْعَذَابُ الْحَدُّ لاَ تَحْتَمِلُ الْآيَةُ مَعْنًى غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَقُلْنَا لَهُ حَالُهُ قَبْلَ الْتِعَانِهِ مِثْلُ حَالِهِ بَعْدَ الْتِعَانِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْدُودًا بِقَذْفِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ بِاللِّعَانِ فَكَذَلِكَ أَنْتِ مَحْدُودَةٌ بِقَذْفِهِ وَالْتِعَانِهِ بِحُكْمِ اللَّهِ أَنَّك تَدْرَئِينَ الْحَدَّ بِهِ فَإِنْ لَمْ تَلْتَعِنِي حُدِدْتِ حَدَّكِ كَانَ حَدُّكِ رَجْمًا أَوْ جَلْدًا لاَ اخْتِلاَفَ فِي ذَلِكَ بَيْنَكِ وَبَيْنَهُ. قَالَ وَلاَ يُلاَعَن وَلاَ يُحَدُّ إلَّا بِقَذْفٍ مُصَرَّحٍ وَلَوْ قَالَ لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ مِنْ جِمَاعٍ وَكَانَتْ الْعُذْرَةُ تَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَمِنْ جِمَاعٍ فَإِذَا قَالَ هَذَا وُقِفَ فَإِنْ أَرَادَ الزِّنَا حُدَّ أَوْ لاَعَنَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ حَلَفَ وَلاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ وَلاَ أَقُولُ ذَلِكَ مِنْ زِنًا فَلاَ يُحَدُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِنْ قَذَفَهَا وَلَمْ يُكْمِلْ اللِّعَانَ حَتَّى رَجَعَ حُدَّ وَهِيَ امْرَأَتُهُ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَطَاءٍ أَرَأَيْت الَّذِي يَقْذِفُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَنْزِعُ عَنْ الَّذِي قَالَ قَبْلَ أَنْ يُلاَعِنَهَا؟ قَالَ هِيَ امْرَأَتُهُ وَيُحَدُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلاَقًا لاَ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ أَوْ خَالَعَهَا ثُمَّ قَذَفَهَا بِغَيْرِ وَلَدٍ حُدَّ وَلاَ لِعَانَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ زَوْجَةً وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ يَنْفِيه عَنْهُ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا خَالَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ قَذَفَهَا حُدَّ وَإِنْ كَانَ وَلَدٌ يَنْفِيه لاَعَنَهَا بِنَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَى الْوَلَدَ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَهَا. فَإِنْ قَذَفَهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُلاَعِنَهَا وَرِثَتْهُ لِأَنَّهُمَا عَلَى النِّكَاحِ حَتَّى يَلْتَعِنَ هُوَ وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ طَلاَقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ لاَعَنَهَا وَإِنْ انْقَضَتْ الْعِدَّةُ فَهِيَ مِثْلُ الْمَبْتُوتَةِ الَّتِي لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَمَنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ امْرَأَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفْيُهُ وَإِنْ قَذَفَهَا بَعْدَ مَا يُقِرّ أَنَّهُ مِنْهُ جُلِدَ الْحَدَّ وَهُوَ وَلَدُهُ وَإِنْ قَالَ هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَقَدْ زَنَتْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَهُوَ مِنْهُ وَيُلاَعِنُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَزْنِي قَبْلَ الْحَمْلِ مِنْهُ وَبَعْدَهُ وَلَيْسَ لَهُ نَفْيُ وَلَدِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهِ مَرَّةً فَأَكْثَرَ بِأَنْ لاَ يَرَاهُ يُشْبِهُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الدَّلاَلاَتِ إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَلَيْسَ لَهُ إنْكَارُهُ بِحَالٍ أَبَدًا إلَّا أَنْ يُنْكِرَهُ قَبْلَ إقْرَارِهِ. أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ: قَالَ: وَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ؟ قَالَ نَعَمْ: قَالَ أَنَّى تَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ عِرْقًا نَزَعَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّ هَذَا عِرْقٌ نَزَعَهُ». أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «أَنَّ أَعْرَابِيًّا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ إبِلٍ؟ قَالَ نَعَمْ: قَالَ فَمَا أَلْوَانُهَا؟ قَالَ حُمْرٌ: قَالَ هَلْ فِيهَا أَوْرَقَ؟ قَالَ إنْ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ؟ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلاَلَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَتَهُ وَلَدَتْ غُلاَمًا أَسْوَدَ وَهُوَ لاَ يَذْكُرُهُ إلَّا مُنْكِرًا لَهُ وَجَوَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَضَرْبُهُ لَهُ الْمَثْلَ بِالْإِبِلِ يَدُلُّ عَلَى مَا وَصَفْت مِنْ إنْكَارِهِ وَتُهْمَتِهِ الْمَرْأَةَ فَلَمَّا كَانَ قَوْلُ الْفَزَارِيّ تُهْمَةَ الْأَغْلَبِ مِنْهَا عِنْدَ مَنْ سَمِعَهَا أَنَّهُ أَرَادَ قَذْفَهَا أَنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرَهُ قَذْفًا يَحْكُمُ عَلَيْهِ فِيهِ بِاللِّعَانِ أَوْ الْحَدِّ إذَا كَانَ لِقَوْلِهِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ أَنْ لاَ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ مِنْ التَّعَجُّبِ وَالْمَسْأَلَةِ عَنْ ذَلِكَ لاَ قَذْفَ امْرَأَتِهِ اسْتَدْلَلْنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى السَّامِعِ أَنَّ الْمُعْرِضَ أَرَادَ الْقَذْفَ إنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ يَحْتَمِلُهُ وَلاَ حَدَّ إلَّا فِي الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْمُعْتَدَّةِ «وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ» إلَى «وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا» فَأَحَلَّ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ وَفِي إحْلاَلِهِ إيَّاهَا تَحْرِيمٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الآيَةِ «لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا» وَالسِّرُّ الْجِمَاعُ وَاجْتِمَاعُهُمَا عَلَى الْعِدَّةِ بِتَصْرِيحِ الْعُقْدَةِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَصْرِيحُ بِاسْمٍ نَهَى عَنْهُ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَانِ فِي التَّعْرِيضِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ، وَهَذِهِ الدَّلاَلَةُ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفَزَارِيّ مَوْضُوعَةٌ بِالْآثَارِ فِيهَا وَالْحُجَجُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَهُوَ أَمْلَكُ بِهَا مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِنْ كَانَ الْفَزَارِيّ أَقَرَّ بِحَمْلِ امْرَأَتِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَقَالَ السِّرُّ الْجِمَاعُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ: أَلاَ زَعَمَتْ بَسْبَاسَةُ الْقَوْمِ أَنَّنِي كَبِرْت وَأَنْ لاَ يُحْسِنَ السِّرَّ أَمْثَالِي كَذَبَتْ لَقَدْ أَصْبَى عَلَى الْمَرْءِ عُرْسُهُ وَأَمْنَع عُرْسِي أَنْ يَزْنِ بِهَا الْخَالِي وَقَالَ جَرِيرٌ يَرْثِي امْرَأَتَهُ: كَانَتْ إذَا هَجَرَ الْخَلِيلُ فِرَاشَهَا خَزْنَ الْحَدِيثِ وَعَفَّتْ الْأَسْرَارَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: خَالَفَنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي جُمْلَةِ اللِّعَانِ وَفِي بَعْضِ فُرُوعِهِ فَحَكَيْت مَا فِي جُمْلَتِهِ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَرَكْت مَا فِي فُرُوعِهِ لِأَنَّ فُرُوعَهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ فِيهِ وَإِنَّمَا كَتَبْنَا فِي كِتَابِنَا: {إذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّ حُكْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ خَالَفَنَا لاَ يُلاَعَن بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَبَدًا حَتَّى يَكُونَا حُرَّيْنِ مُسْلِمَيْنِ لَيْسَا بِمَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ وَلاَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَقُلْت لَهُ ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اللِّعَانَ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ لَمْ يَخُصَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا كَانَ عَامًّا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَلاَ نَخْتَلِفُ نَحْنُ وَلاَ أَنْتَ أَنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ كَمَا قُلْنَا فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} فَزَعَمْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ أَنَّهَا عَلَى الْأَزْوَاجِ عَامَّةً كَانُوا مَمَالِيكَ أَوْ أَحْرَارًا عِنْدَهُمْ مَمْلُوكَةٌ أَوْ حُرَّةٌ أَوْ ذِمِّيَّةٌ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللِّعَانَ عَلَى بَعْضِ الْأَزْوَاجِ دُونَ بَعْضٍ؟ قَالُوا رَوَيْنَا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا فَاتَّبَعْنَاهُ، قُلْنَا: وَمَا الْحَدِيثُ؟ قَالُوا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «أَرْبَعٌ لاَ لِعَانَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِنَّ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الْمُسْلِمِ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةُ عِنْدَ الْحُرِّ وَالنَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ» قُلْنَا لَهُ رَوَيْتُمْ هَذَا عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ وَرَجُلٍ غَلِطَ، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مُنْقَطِعٌ، وَاَللَّذَانِ رَوَيَاهُ يَقُولُ أَحَدُهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ يَقِفُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا مَجْهُولاً فَهُوَ لاَ يَثْبُتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَلاَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلاَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا رَجُلٌ غَلِطَ وَفِيهِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ رَوَى لَنَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْكَامًا تُوَافِقُ أَقَاوِيلَنَا وَتُخَالِفُ أَقَاوِيلَكُمْ يَرْوِيهَا عَنْهُ الثِّقَاتُ فَنُسْنِدُهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَدْتُمُوهَا عَلَيْنَا وَرَدَدْتُمْ رِوَايَتَهُ وَنَسَبْتُمُوهُ إلَى الْغَلَطِ فَأَنْتُمْ مَحْجُوجُونَ إنْ كَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ حَدِيثُهُ بِأَحَادِيثِهِ الَّتِي بِهَا وَافَقْنَاهَا وَخَالَفْتُمُوهَا فِي نَحْوٍ مِنْ ثَلاَثِينَ حُكْمًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفْتُمْ أَكْثَرَهَا فَأَنْتُمْ غَيْرُ مُنْصِفِينَ إنْ احْتَجَجْتُمْ بِرِوَايَتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ نُثْبِتُ رِوَايَتَهُ ثُمَّ احْتَجَجْتُمْ مِنْهَا بِمَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُ وَهُوَ مِمَّنْ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقُلْت لَهُمْ لَوْ كَانَ كَمَا أَرَدْتُمْ كُنْتُمْ مَحْجُوجِينَ بِهِ قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْت أَلَيْسَ ذِكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْأَزْوَاجَ وَالزَّوْجَاتِ فِي اللِّعَانِ عَامًّا؟ قَالَ بَلَى قُلْت ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ حَدِيثًا جَاءَ أَخْرَجَ مِنْ الْجُمْلَةِ الْعَامَّةِ أَزْوَاجًا وَزَوْجَاتٍ مُسَمَّيْنَ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت أَوْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُخْرِجَ مِنْ جُمْلَةِ الْقُرْآنِ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً بِالْحَدِيثِ إلَّا مَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثُ خَاصَّةً كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ فَمَسَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْوُضُوءِ إلَّا الْخُفَّيْنِ خَاصَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالْبُرْقُعِ وَالْعِمَامَةِ قِيَاسًا عَلَيْهِمَا؟ قَالَ هَكَذَا هُوَ قُلْت فَكَيْفَ قُلْت فِي حَدِيثِك أَلَيْسَ الْيَهُودِيَّةُ وَالنَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَالنَّصْرَانِيَّة عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ وَالْحُرَّةُ تَحْتَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ لاَ يُلاَعِنُونَ؟ قَالَ هُوَ هَكَذَا قُلْت فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَقُولاَ لاَ لِعَانَ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وَمَا كَانَ مِنْ زَوْجٍ سِوَاهُنَّ لاَعَنَ. قَالَ وَمَا بَقِيَ بَعْدَهُنَّ؟ قُلْت الْحُرَّةُ تَحْتَ الْحُرِّ الْمَحْدُودَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الْقَذْفِ وَالْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْت أَنَّ هَذَيْنِ لاَ يُلاَعِنَانِ؟ قَالَ فَإِنِّي قَدْ أَخَذْت طَرْحَ اللِّعَانِ عَمَّنْ طَرَحْته عَنْهُ مِنْ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا الْكِتَابُ وَالْآخَرُ السُّنَّةُ قُلْت أَوَعِنْدَك فِي السُّنَّةِ شَيْءٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْت وَذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْت عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ؟ قَالَ لاَ قُلْت: فَقَدْ طَرَحْت اللِّعَانَ عَمَّنْ نَطَقَ الْقُرْآنُ بِهِ وَحَدِيثُ عَمْرٍو إنْ كَانَ ثَابِتًا أَنَّهُ لاَ يُلاَعِنُ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا قُلْت فَفِي قَوْلِهِ «أَرْبَعٌ لاَ لِعَانَ بَيْنَهُنَّ» مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ الْأَزْوَاجِ يُلاَعِنُ وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَزْوَاجَ يُلاَعِنُونَ لاَ يَخُصُّ زَوْجًا دُونَ زَوْجٍ قَالَ فَمَنْ أَخْرَجْتُ مِنْ الْأَزْوَاجِ مِنْ اللِّعَانِ بِغَيْرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَإِنَّمَا أَخْرَجْته اسْتِدْلاَلاً بِالْقُرْآنِ قُلْت وَأَيْنَ مَا اسْتَدْلَلْت بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ} فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُلاَعِنَ مَنْ لاَ شَهَادَةَ لَهُ لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشُّهُودِ الْعُدُولُ وَكَذَلِكَ لَمْ يُجِزْ الْمُسْلِمُونَ فِي الشَّهَادَةِ إلَّا الْعُدُولَ فَقُلْت لَهُ قَوْلُك هَذَا خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى لِسَانِك وَجَهْلٌ بِلِسَانِ الْعَرَبِ قَالَ فَمَا دَلَّ عَلَى مَا قُلْت؟ قُلْت الشَّهَادَةُ هَا هُنَا يَمِينٌ قَالَ وَمَا دَلَّك عَلَى ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت الْعَدْلَ أَيَشْهَدُ لِنَفْسِهِ؟ قَالَ لاَ قُلْت وَلَوْ شَهِدَ أَلَيْسَ شَهَادَتُهُ مَرَّةً فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ كَشَهَادَتِهِ أَرْبَعًا؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَلَوْ شَهِدَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَلْتَعِنَ؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَلَوْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ فِي اللِّعَانِ وَاللِّعَانُ شَهَادَةٌ حَتَّى تَكُونَ كُلُّ شَهَادَةٍ لَهُ تَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ أَلَمْ يَكْفِ الْأَرْبَعُ دُونَ الْخَامِسَةِ وَتُحَدُّ امْرَأَتُهُ؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَلَوْ كَانَ شَهَادَةً أَيُجِيزُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْحُدُودِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ؟ قَالَ لاَ قُلْت وَلَوْ أَجَازُوا شَهَادَتَهُنَّ انْبَغَى أَنْ تَشْهَدَ الْمَرْأَةُ ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَتَلْتَعِنَ مَرَّتَيْنِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت أَفَتَرَاهَا فِي مَعَانِي الشَّهَادَاتِ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا سَمَّاهَا شَهَادَةً رَأَيْتهَا شَهَادَةً قُلْت هِيَ شَهَادَةُ يَمِينٍ يَدْفَعُ بِهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَيَجِبُ بِهَا أَحْكَامُ لاَ فِي مَعَانِي الشَّهَادَاتِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْعُدُولُ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ مِنْهَا النِّسَاءُ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا الْمَرْءُ شَاهِدًا لِنَفْسِهِ قَالَ مَا هِيَ مِنْ الشَّهَادَةِ الَّتِي يُؤْخَذُ بِهَا لِبَعْضِ النَّاسِ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ تَمَسَّكْت بِأَنَّهَا اسْمُ شَهَادَةٍ وَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا الْعُدُولُ قَالَ قُلْت يَدْخُلُ عَلَيْك مَا وَصَفْت وَأَكْثَرُ مِنْهُ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْك تَنَاقُضُ قَوْلِك قَالَ: فَأَوْجِدْنِي تَنَاقُضَهُ قُلْت كُلُّهُ مُتَنَاقِضٌ قَالَ فَأَوْجِدْنِي قُلْتُ إنْ سَلَكْتَ بِمَنْ يُلاَعِنُ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ دُونَ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فَقَدْ لاَعَنْت بَيْنَ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَأَبْطَلْت اللِّعَانَ بَيْنَ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت لاَعَنْت بَيْنَ الأعميين النخعين غَيْرِ الْعَدْلَيْنِ وَفِيهِمَا عِلَلٌ مَجْمُوعَةٌ مِنْهَا أَنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الزِّنَا فَإِنَّهُمَا غَيْرُ عَدْلَيْنِ وَلَوْ كَانَا عَدْلَيْنِ كَانَا مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ عِنْدَك أَبَدًا وَبَيْنَ الْفُسَّاقِ وَالْمُجَّانِ وَالسُّرَّاقِ وَالْقَتَلَةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَكُونُوا مَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ قَالَ إنَّمَا مَنَعْت الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ مِنْ اللِّعَانِ لِأَنَّ شَهَادَتَهُ لاَ تَجُوزُ أَبَدًا قُلْت وَقَوْلُك لاَ تَجُوزُ أَبَدًا خَطَأٌ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قُلْت وَكُنْت لاَ تُلاَعِنُ بَيْنَ مَنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا لَكُنْت قَدْ تَرَكْت قَوْلَك لِأَنَّ الأعميين النخعين لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَك أَبَدًا وَقَدْ لاَعَنْت بَيْنَهُمَا فَقَالَ مَنْ حَضَرَهُ أَمَّا هَذَا فَيَلْزَمُهُ وَإِلَّا تَرَكَ أَصْلَ قَوْلِهِ فِيهَا وَغَيْرُهُ. قَالَ أَمَّا الْفُسَّاقُ الَّذِينَ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فَهُمْ إذَا تَابُوا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ قُلْت أَرَأَيْت الْحَالَ الَّذِي لاَعَنْت بَيْنَهُمْ فِيهَا أَهُمْ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ؟ قَالَ لاَ وَلَكِنَّهُمَا إنْ تَابَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قُلْت وَالْعَبْدُ إنْ عَتَقَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مِنْ يَوْمِهِ إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِالْعَدْلِ وَالْفَاسِقُ لاَ تُقْبَلُ إلَّا بَعْدَ الِاخْتِبَارِ فَكَيْفَ لاَعَنْت بَيْنَ الَّذِي هُوَ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ إذَا انْتَقَلَتْ حَالُهُ وَامْتَنَعْت مِنْ أَنْ تُلاَعِنَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ إذَا انْتَقَلَتْ حَالُهُ؟ قَالَ فَإِنْ قُلْت إنَّ حَالَ الْعَبْدِ تَنْتَقِلُ بِغَيْرِهِ وَحَالَ الْفَاسِقِ تَنْتَقِلُ بِنَفْسِهِ؟ قُلْت لَهُ أَوَلَسْت تُسَوِّي بَيْنَهُمَا إذَا صَارَ إلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْعَدْلِ؟ قَالَ بَلَى قُلْت فَكَيْفَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِي أَمْرٍ تُسَاوِي بَيْنَهُمَا فِيهِ؟ وَقُلْت لَهُ وَيَدْخُلُ عَلَيْك مَا أَدْخَلْت عَلَى نَفْسِك فِي النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ لِأَنَّهُ تَنْتَقِلُ حَالُهُ بِنَقْلِ نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُجِيزَ شَهَادَتَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ قُبِلَتْ قَالَ مَا أَفْعَلُ وَكَذَلِكَ الْمُكَاتِبُ عَبْدَهُ مَا يُؤَدِّي إنْ أَدَّى عَتَقَ أَفَرَأَيْت إنْ قُذِفَ قَبْلَ الْأَدَاءِ؟ قَالَ لاَ يُلاَعِنُ قُلْت وَأَنْتَ لَوْ كُنْت إنَّمَا تُلاَعِنُ بَيْنَ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لاَعَنْت بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عِنْدَك قَالَ وَإِنَّمَا تَرَكْت اللِّعَانَ بَيْنَهُمَا لِلْحَدِيثِ قُلْت فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ ثَابِتًا أَمَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّك أَخْطَأْت إذَا قَبِلْت شَهَادَةَ النَّصَارَى إذْ قُلْت لاَ يُلاَعِنُ إلَّا بَيْنَ مَنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ؟ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ فَأَنَا أُكَلِّمُك عَلَى مَعْنًى غَيْرِ هَذَا قُلْت فَقُلْ قَالَ فَإِنِّي إنَّمَا أُلاَعِنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ يُحَدُّ لَهَا حِينَ قَذْفِهَا مِنْ قِبَلِ أَنِّي وَجَدْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَكَمَ فِي قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ بِالْحَدِّ وَدَرَأَ عَنْ الزَّوْجِ بِالْتِعَانِهِ فَإِذَا كَانَتْ الْمَقْذُوفَةُ مِمَّنْ لاَ حَدَّ لَهَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ وَخَرَجَ مِنْ الْحَدِّ وَإِلَّا فَلاَ قُلْت فَمَا تَقُولُ فِي عَبْدٍ تَحْتَهُ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ فَقَذَفَهَا؟ قَالَ يُحَدُّ قُلْت فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَقَذَفَهَا؟ قَالَ يُلاَعِنُ قُلْت لَهُ فَقَدْ تَرَكْت أَصْلَ قَوْلِك قَالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَهُ أَمَّا فِي هَذَا فَنَعَمْ وَلَكِنَّهُ لاَ يَقُولُ بِهِ قُلْت فَلِمَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقُولُ بِهِ قُلْت لِبَعْضِ مَنْ حَكَيْت قَوْلَهُ: لاَ أَرَاك لاَعَنْت بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّك لَوْ لاَعَنْت عَلَى الْحُرِّيَّةِ لاَعَنْت بَيْنَ الذِّمِّيَّيْنِ وَلاَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلاَمِ لِأَنَّك لَوْ فَعَلْت لاَعَنْت بَيْنَ الْمَحْدُودَيْنِ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَلاَ أَرَاك لاَعَنْت بَيْنَهُمَا عَلَى الْعَدْلِ لِأَنَّك لَوْ لاَعَنْت بَيْنَهُمَا عَلَى الْعَدْلِ لَمْ تُلاَعِنْ بَيْنَ الْفَاسِقَيْنِ وَلاَ أَرَاك لاَعَنْت بَيْنَهُمَا عَلَى مَا وَصَفَ صَاحِبُك مِنْ أَنَّ الْمَقْذُوفَةَ إذَا كَانَتْ حُرَّةً مُسْلِمَةً فَعَلَى قَاذِفِهَا الْحَدُّ وَأَنْتَ لاَ تُلاَعِنُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا الْحُرِّ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَلاَ زَوْجِهَا الْعَبْدِ وَمَا لاَعَنْت بَيْنَهُمَا بِعُمُومِ الآيَةِ وَلاَ بِالْحَدِيثِ مَعَ الآيَةِ وَلاَ مُنْفَرِدًا وَلاَ قُلْت فِيهَا قَوْلاً مُسْتَقِيمًا عَلَى أَصْلِ مَا ادَّعَيْت ثَابِتًا كَانَ أَوْ غَيْرَ ثَابِتٍ قَالَ فَلِمَ لاَ تَأْخُذُ أَنْتَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ؟ قُلْت لَهُ لاَ نَعْرِفُهُ عَنْ عَمْرٍو إنَّمَا رَوَاهُ عَنْهُ رَجُلٌ لاَ يَثْبُتُ حَدِيثُهُ وَلَوْ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كَانَ مُنْقَطِعًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَنَحْنُ لاَ نَقْبَلُ الْحَدِيثَ الْمُنْقَطِعَ عَمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ عَمْرٍو إذَا كَانَ مُنْقَطِعًا وَقُلْنَا بِظَاهِرِ الآيَةِ وَعُمُومِهَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ زَوْجٍ فِيهَا وَلاَ زَوْجَةٍ إذْ ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَامَّةً فَقَالَ لِي كَيْفَ؟ قُلْت إذَا الْتَعَنَ، الزَّوْجُ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَلْتَعِنَ حُدَّتْ حَدَّهَا رَجْمًا كَانَ أَوْ جَلْدًا فَقُلْت لَهُ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ فَاذْكُرْهُ، قُلْت قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، مِنْ بَعْدِ ذِكْرِهِ الْتِعَانَ الزَّوْجِ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} الآيَةَ، فَكَانَ بَيِّنًا غَيْرَ مُشْكِلٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي الآيَةِ أَنَّهَا تَدْرَأُ عَنْ نَفْسِهَا بِمَا لَزِمَهَا إنْ لَمْ تَلْتَعِنْ بِالِالْتِعَانِ قَالَ: فَهَلْ تُوَضِّحُ هَذَا بِغَيْرِهِ؟ قُلْت مَا فِيهِ إشْكَالٌ يَنْبَغِي لِمَنْ قَرَأَ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَرَفَ مِنْ أَحْكَامِهِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ أَنْ يَبْتَغِيَ مَعَهُ غَيْرَهُ قَالَ: فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ مَعْنًى تُوَضِّحُهُ غَيْرَهُ فَقُلْهُ قُلْت أَرَأَيْت الزَّوْجَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ مَا عَلَيْهِ؟ قَالَ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ مِنْهَا بِالِالْتِعَانِ قُلْت أَوَلَيْسَ قَدْ يَحْكُمُ فِي الْقَذَفَةِ بِالْحَدِّ إلَّا أَنْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ قَالَ بَلَى قُلْت وَقَالَ فِي الزَّوْجِ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إلَّا أَنْفُسُهُمْ} الآيَةَ. قَالَ نَعَمْ قُلْت أَفَتَجِدُ فِي التَّنْزِيلِ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْهُ؟ قَالَ أَمَّا نَصًّا فَلاَ وَأَمَّا اسْتِدْلاَلاً فَنَعَمْ لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ غَيْرَ الزَّوْجِ يَخْرُجُ مِنْ الْحَدِّ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ ثُمَّ قَالَ فِي الزَّوْجِ يَشْهَدُ أَرْبَعًا اسْتِدْلاَلاً عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ لِيَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَعْنَى الْقَذَفَةِ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّمَا شَهَادَتُهُ لِلْفُرْقَةِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ دُونَ الْحَدِّ فَإِذًا خَالَفَ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجِ فِي الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ أُحِدَّ الزَّوْجَ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ مَا قُلْت وَلاَ أَجِدُ فِيهَا دَلاَلَةً عَلَى حَدِّهِ. قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَكُلُّ شَيْءٍ إلَّا وَهُوَ يَحْتَمِلُ قُلْت: وَأَظْهَرُ مَعَانِيه أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاذِفِ غَيْرَهُ إذَا شَهِدَ وَقُلْت وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَاذِفِ غَيْرَهُ إذَا لَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت وَتَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَةَ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهَا تُسْقِطُ الْحَدَّ لاَ تَكُونُ إلَّا لِمَعْنَى أَنْ يَخْرُجَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ أَحَلَفْته لِيَخْرُجَ عَنْ شَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت أَفَتَجِدُ الشَّهَادَةَ لِلزَّوْجِ إذَا كَانَتْ أَخْرَجَتْهُ وَأَوْجَبَتْ عَلَى الْمَرْأَةِ اللِّعَانَ وَفِيهَا هَذِهِ الْعِلَلُ الَّتِي وَصَفْت؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَشَهَادَةُ الْمَرْأَةِ أَخْرَجَتْهَا مِنْ الْحَدِّ، قَالَ هِيَ تُخْرِجُهَا مِنْ الْحَدِّ، قُلْت وَلاَ مَعْنَى لَهَا فِي الشَّهَادَةِ إلَّا الْخُرُوجَ مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِذَا كَانَتْ تُخْرِجُهَا مِنْ الْحَدِّ كَيْفَ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً إنْ لَمْ تَشْهَدْ فَتَخْرُجُ بِالشَّهَادَةِ مِنْهُ كَمَا قُلْت فِي الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ حُدَّ وَكَيْفَ اخْتَلَفَ حَالاَهُمَا عِنْدَك فِيهَا فَقُلْت فِي الزَّوْجِ مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ مَحْدُودٌ إنْ لَمْ يَشْهَدْ وَفِي الْمَرْأَةِ لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ فِي الزَّوْجِ مَعَانِيَ غَيْرَ الْحَدِّ وَلَيْسَ فِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الزَّوْجَ يَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ حَدًّا. وَفِي التَّنْزِيلِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَدْرَأُ بِالشَّهَادَةِ الْعَذَابَ وَهُوَ الْحَدُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَك. فَلَيْسَ فِي شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ مَعْنًى غَيْرُ دَرْءِ الْحَدِّ لِأَنَّ الْحَدَّ عَلَيْهَا فِي الْكِتَابِ وَالْمَعْقُولِ وَالْقِيَاسِ أَثْبَتُ فَتَرْكُهَا الشَّهَادَةَ كَالْإِقْرَارِ مِنْهَا بِمَا قَالَ الزَّوْجُ فَمَا عَلِمْتُك إلَّا فَرَّقْتَ بَيْنَ حَدِّ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ فَأَسْقَطْت حَدَّ الْمَرْأَةِ وَهُوَ أَبْيَنُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَثْبَتَّ حَدَّ الرَّجُلِ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت لَوْ قَالَتْ لَك الْمَرْأَةُ الْمَقْذُوفَةُ إنْ كَانَتْ شَهَادَتُهُ عَلَيَّ بِالزِّنَا شَهَادَةً تُلْزِمُنِي فَحُدَّنِي وَإِنْ كَانَتْ لاَ تُلْزِمُنِي فَلاَ تُحَلِّفْنِي وَحُدَّهُ لِي. وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي أَرْبَعَةٍ لَوْ شَهِدُوا عَلَيَّ وَكَانُوا عُدُولاً حَدَدْتَنِي وَإِنْ لَمْ يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ حَدَدْتهمْ أَوْ عَبِيدًا أَوْ مُشْرِكِينَ حَدَدْتهمْ قَالَ أَقُولُ حُكْمُك وَحُكْمُ الزَّوْجِ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِ الشُّهُودِ عَلَيْك غَيْرَ الزَّوْجِ، قُلْت فَقَالَتْ لَك فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةً لاَ تُوجِبُ عَلَيَّ حَدًّا فَامْتَنَعْت مِنْ أَنْ أَشْهَدَ لِمَ حَبَسْتَنِي وَأَنْتَ لاَ تَحْبِسُ إلَّا بِحَقٍّ؟ قَالَ أَقُولُ حَبَسْتُك لِتَحْلِفِي قَالَتْ وَلِيَمِينِي مَعْنًى؟ قَالَ نَعَمْ تَخْرُجِينَ بِهَا مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ فَالْحَبْسُ هُوَ الْحَدُّ؟ قَالَ لَيْسَ بِهِ قُلْت فَقَالَتْ فَلِمَ تَحْبِسُنِي لِغَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ عَلَيَّ مِنْ الْحَدِّ؟ قَالَ لِلْحَدِّ حَبَسْتُك قَالَتْ فَتُقِيمُهُ عَلَيَّ فَأَقِمْهُ قَالَ لاَ قُلْت فَإِنْ قَالَتْ فَالْحَبْسُ ظُلْمٌ لاَ أَنْتَ أَخَذْت مِنِّي حَدًّا وَلاَ مَنَعْت عَنِّي حَبْسًا فَمِنْ أَيْنَ وَجَدْت عَلَيَّ الْحَبْسَ أَتَجِدُهُ فِي كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَوْ قِيَاسٍ؟ قَالَ أَمَّا كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ فَلاَ وَأَمَّا قِيَاسٌ فَنَعَمْ قُلْت أَوْجِدْنَا الْقِيَاسَ قَالَ إنِّي أَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ يَحْلِفُ وَيُبَرَّأُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَقْتُلْهُ وَحَبَسْته.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقُلْت لَهُ أَوَيَقْبَلُ مِنْك الْقِيَاسَ عَلَى غَيْرِ كِتَابٍ وَلاَ سُنَّةٍ وَلاَ أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَلاَ أَثَرٍ؟ قَالَ لاَ قُلْت فَمَنْ قَالَ لَك مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ دَمٌ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ فَيُبَرَّأُ أَمْ يُقِرَّ فَيُقْتَلُ؟ قَالَ أَسْتَحْسِنُهُ، قُلْت لَهُ أَفَعَلَى النَّاسِ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْك مَا اسْتَحْسَنْت إنْ خَالَفْت الْقِيَاسَ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ قَبِلُوا مِنْ غَيْرِك مِثْلَ مَا قَبِلُوا مِنْك لِأَنَّ أَجْهَلَ النَّاسِ لَوْ اعْتَرَضَ فَسَأَلَ عَنْ شَيْءٍ فَخَرَصَ فِيهِ فَقَالَ لَمْ يُعَدَّ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لاَزِمًا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَا أَوْ خَارِجًا مِنْهُ فَيَكُونُ اسْتَحْسَنَهُ كَمَا اسْتَحْسَنْته أَنْتَ قَالَ مَا ذَلِكَ لِأَحَدٍ قُلْت فَقَدْ قُلْته فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفْت فِيهِ الْكِتَابَ وَقِيَاسَ قَوْلِك قَالَ وَأَيْنَ خَالَفْت قِيَاسَ قَوْلِي؟ قُلْت مَا تَقُولُ فِيمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ إلَى أَيِّ غَايَةٍ شَاءَ مِنْ الدَّعْوَى أَوْ غَصْبَ دَارٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ؟ قَالَ يَحْلِفُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ مَا نَكَلَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ جُرْحًا فِي مُوضِحَةٍ عَمْدًا فَصَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ اُقْتُصَّ مِنْهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَكُلُّ مَنْ جَعَلْت عَلَيْهِ الْيَمِينَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قَامَ النُّكُولُ فِي الْحُكْمِ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَأَعْطَيْت بِهِ الْقَوَدَ وَالْمَالَ؟ قَالَ نَعَمْ، قُلْت وَلِمَ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي النَّفْسِ هَكَذَا؟ قَالَ لِي اسْتِعْظَامًا لِلنَّفْسِ قُلْت فَأَنْتَ تَقْطَعُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَيْنِ وَتَشُقُّ الرَّأْسَ قِصَاصًا وَهَذَا يَكُونُ مِنْهُ التَّلَفُ بِالنُّكُولِ وَتَزْعُمُ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَلاَ تَأْخُذُ بِهِ النَّفْسَ قَالَ أَمَّا فِي الْقِيَاسِ فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَأْخُذَ بِهِ النَّفْسَ وَقَدْ تَفَرَّقَ فِيهِ صَاحِبَايَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَحْبِسُهُ كَمَا قُلْت وَقَالَ الْآخَرُ لاَ أَحْبِسُهُ وَآخُذُ مِنْهُ دِيَةً وَحَبْسُهُ ظُلْمٌ قُلْت وَأَخْذُ الدِّيَةِ مِنْهُ فِي أَصْلِ قَوْلِ صَاحِبِك ظُلْمٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَهُ لاَ تُؤْخَذُ فِي الْعَمْدِ إلَّا بِصُلْحٍ وَهَذَا لَمْ يُصَالِحْ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَاك أَخْطَآ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ فَأَقْرَرْت عَلَيْهِمَا مَعًا بِتَرْكِ الْقِيَاسِ فَتَقِيسُ عَلَى أَصْلٍ خَطَأٍ ثُمَّ تَقِيسُ عَلَيْهِ مَا لاَ يُشْبِهُهُ مَا قَدْ حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ نَصًّا يَدْرَأُ بِهِ الْعَذَابَ وَالدَّرْءُ لاَ يَكُونُ إلَّا لِمَا قَدْ وَجَبَ. وَإِنْ قُلْت الْعَذَابُ السِّجْنُ فَذَاكَ أَخْطَأُ لَك أَمَا السِّجْنُ حَدٌّ هُوَ؟ فَإِنْ كَانَ حَدًّا فَكَمْ تَحْبِسُهَا؟ أَمِائَةُ يَوْمٍ أَوْ إلَى أَنْ تَمُوتَ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؟ قَالَ مَا السِّجْنُ بِحَدٍّ وَمَا السِّجْنُ إلَّا لِتَبْيِينِ الْحَدِّ قُلْت وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الزَّانِيَيْنِ: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} أَفَتَرَاهُ عَنَى بِعَذَابِهِمَا الْحَدَّ أَوْ الْحَبْسَ؟ قَالَ بَلْ الْحَدَّ وَلَيْسَ السِّجْنُ بِحَدٍّ وَالْعَذَابُ فِي الزِّنَا الْحُدُودُ وَلَكِنَّ السِّجْنَ قَدْ يَلْزَمُهُ اسْمُ عَذَابٍ قُلْت وَالسَّفَرُ اسْمُ عَذَابٍ وَالدَّهَقُ وَالتَّعْلِيقُ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ النَّاسُ عَذَابًا فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ أُعَذِّبُهَا إنْ لَمْ تَحْلِفْ بِبَعْضِ هَذَا؟ قَالَ لَيْسَ لَهُ وَإِنَّمَا الْعَذَابُ الْحَدُّ، قُلْت أَجَلْ وَأَجِدُك تَرَوَّحْتَ إلَى مَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ وَلَوْ كَانَتْ لَك بِهَذِهِ حُجَّةٌ كَانَتْ عَلَيْك لِغَيْرِك بِمِثْلِهَا وَأَبْيَنَ فِيهَا.
أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا أَلْبَتَّةَ وَهُوَ غَائِبٌ بِالشَّامِ فَبَعَثَ إلَيْهَا وَكِيلَهُ بِشَعِيرٍ فَسَخِطَتْهُ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا لَك عَلَيْنَا مِنْ شَيْءٍ فَجَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَيْسَ لَك عَلَيْهِ نَفَقَةٌ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَعَلِمَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْقَطَ نَفَقَتَهَا لِأَنَّهُ لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَأَلْبَتَّةَ الَّتِي لاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا ثَلاَثٌ وَلَمْ يَعِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلاَقَ الثَّلاَثِ وَحَكَمَ فِيمَا سِوَاهَا مِنْ الطَّلاَقِ بِالنَّفَقَةِ وَالسُّكْنَى فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ أَلْبَتَّةَ ثَلاَثٌ؟ فَهِيَ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَمَّى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ثَلاَثًا أَلْبَتَّةَ أَوْ نَوَى بِأَلْبَتَّةَ ثَلاَثًا كَانَتْ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَلْبَتَّةَ ثَلاَثٌ بِلاَ نِيَّةِ الْمُطَلِّقِ وَلاَ تَسْمِيَةِ ثَلاَثٍ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَمْ يَعِبْ الطَّلاَقَ الَّذِي هُوَ ثَلاَثٌ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّلاَقَ بِيَدِ الزَّوْجِ مَا أَبْقَى مِنْهُ أَبْقَى لِنَفْسِهِ وَمَا أَخْرَجَ مِنْهُ مِنْ يَدِهِ لَزِمَهُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً وَلاَ يُخْرِجَ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً وَقَدْ يُقَالُ لَهُ لَوْ أَبْقَيْت مَا تَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ النَّاسِ كَانَ خَيْرًا لَك فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ أَبَا عَمْرٍو لاَ يَعُودُ أَنْ يَكُونَ سَمَّى ثَلاَثًا أَوْ نَوَى بِأَلْبَتَّةَ ثَلاَثًا؟ قُلْنَا الدَّلِيلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ «أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْمُزَنِيَّةَ أَلْبَتَّةَ ثُمَّ أَتَى إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي سُهَيْمَةَ أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُكَانَةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ رضي الله عنهما. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ «أَنَّهُ تَلاَعَنَ عُوَيْمِرٌ وَامْرَأَتُهُ بَيْنَ يَدِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعَ النَّاسِ، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ مُلاَعَنَتِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْت عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ تِلْكَ سُنَّةَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَقَدْ طَلَّقَ عُوَيْمِرٌ ثَلاَثًا بَيْنَ يَدِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُحَرَّمًا لَنَهَاهُ عَنْهُ. وَقَالَ إنَّ الطَّلاَقَ وَإِنْ لَزِمَك فَأَنْتَ عَاصٍ بِأَنْ تَجْمَعَ ثَلاَثًا فَافْعَلْ كَذَا كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ أَنْ يَأْمُرَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا أَنْ يُرَاجِعَهَا ثُمَّ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَلاَ يُقِرُّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَلاَقٍ لاَ يَفْعَلُهُ أَحَدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا نَهَاهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ الْعَلَمُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ لاَ بَاطِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَّا يُغَيِّرُهُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي الْمُطَّلِبُ بْنُ حَنْطَبٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ. ثُمَّ أَتَى عُمَرَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ قَدْ فَعَلْتُهُ، فَتَلاَ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ قَدْ فَعَلْته قَالَ أَمْسِكْ عَلَيْك امْرَأَتَك فَإِنَّ الْوَاحِدَةَ تَبِتُّ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ لِلتُّومَةِ مِثْلَ مَا قَالَ لِلْمُطَّلِبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ اللَّيْثِ بْن سَعْدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ قَالَ أَتُرَانِي أُقِيمُ عَلَى حَرَامٍ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ فَأَحْلَفَهُ فَحَلَفَ قَالَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَرَاهُ قَالَ فَرَدَّهَا عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا الْخَبَرُ فِي الْحَدِيثِ فِي؟ الزُّرَّقِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِلْمُطَّلِبِ مَا أَرَدْت بِذَلِكَ يُرِيدُ أَوْ وَاحِدَةً أَوْ ثَلاَثًا فَلَمَّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ زِيَادَةً فِي عَدَدِ الطَّلاَقِ وَأَنَّهُ قَالَ بِلاَ نِيَّةِ زِيَادَةٍ أَلْزَمَهُ وَاحِدَةً وَهِيَ أَقَلُّ الطَّلاَقِ، وَقَوْلُهُ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} لَوْ طَلَّقَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَلْبَتَّةَ إذْ كَانَتْ كَلِمَةً مُحْدَثَةً لَيْسَتْ فِي أَصْلِ الطَّلاَقِ تَحْتَمِلُ صِفَةَ الطَّلاَقِ وَزِيَادَةً فِي عَدَدِهِ وَمَعْنًى غَيْرَ ذَلِكَ فَنَهَاهُ عَنْ الْمُشْكِلِ مِنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْ الطَّلاَقِ وَلَمْ يَعِبْهُ وَلَمْ يَقُلْ لَهُ لَوْ أَرَدْت ثَلاَثًا كَانَ مَكْرُوهًا عَلَيْك وَهُوَ لاَ يُحَلِّفُهُ عَلَى مَا أَرَادَ إلَّا وَلَوْ أَرَادَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ أَلْزَمَهُ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ مَرِيضٌ فَوَرِثَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَشَدَتْهُ الطَّلاَقَ فَقَالَ إذَا حِضْت ثُمَّ طَهُرْت فَآذِنِينِي فَطَهُرَتْ وَهُوَ مَرِيضٌ فَآذَنَتْهُ فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَأَلْبَتَّةَ فِي حَدِيثِ مَالِكٌ بَيَانُ هَذَا الْحَدِيثِ ثَلاَثًا لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنْ يَقُولَ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ يَنْوِي ثَلاَثًا وَقَدْ بَيَّنَهُ ابْنُ سِيرِينَ فَقَطَعَ مَوْضِعَ الشَّكِّ فِيهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن ثَوْبَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَجَاءَ يَسْتَفْتِي فَذَهَبْت مَعَهُ أَسْأَلُ لَهُ فَسَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنْ ذَلِكَ فَقَالاَ لاَ نَرَى أَنْ تَنْكِحَهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك قَالَ إنَّمَا كَانَ طَلاَقِي إيَّاهَا وَاحِدَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّك أَرْسَلْت مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمَا عَابَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَلاَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلاَثًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعِيبًا لَقَالاَ لَهُ لَزِمَك الطَّلاَقُ وَبِئْسَمَا صَنَعْت ثُمَّ سَمَّى حِينَ رَاجَعَهُ فَمَا زَادَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ أَنْ قَالَ لَهُ إنَّك أَرْسَلْت مِنْ يَدِك مَا كَانَ لَك مِنْ فَضْلٍ وَلَمْ يَقُلْ بِئْسَمَا صَنَعْت وَلاَ خَرَجْت فِي إرْسَاله. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ يَسْتَفْتِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا قَالَ عَطَاءٌ فَقُلْت إنَّمَا طَلاَقُ الْبِكْرِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إنَّمَا أَنْتَ قَاصٌّ الْوَاحِدَةُ تُبَيِّنُهَا وَثَلاَثٌ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ. وَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بِئْسَمَا صَنَعْت حِينَ طَلَّقْت ثَلاَثًا. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ بُكَيْرًا أَخْبَرَهُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ فَقَالَ إنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا لَنَا فِيهِ قَوْلٌ اذْهَبْ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتهمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَسَلْهُمَا ثُمَّ ائْتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَفْتِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْك مُعْضِلَةٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الْوَاحِدَةُ تُبَيِّنُهَا وَالثَّلاَثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعِيبَا عَلَيْهِ الثَّلاَثَ وَلاَ عَائِشَةُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ، أَنَّ مَوْلاَةً لِبَنِي عَدِيٍّ يُقَالُ لَهَا زَبْرَاءُ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدٍ وَهِيَ يَوْمئِذٍ أَمَةٌ فَعَتَقَتْ فَقَالَتْ فَأَرْسَلْت إلَى حَفْصَةَ فَدَعَتْنِي يَوْمئِذٍ فَقَالَتْ إنِّي مُخْبِرَتُك خَبَرًا وَلاَ أُحِبُّ أَنْ تَصْنَعِي شَيْئًا إنَّ أَمْرَك بِيَدِك مَا لَمْ يَمَسّكِ زَوْجُك قَالَتْ فَفَارَقْته ثَلاَثًا فَلَمْ تَقُلْ لَهَا حَفْصَةُ لاَ يَجُوزُ لَك أَنْ تُطَلَّقِي ثَلاَثًا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَعِيبًا عَلَى الرَّجُلِ إذًا لَكَانَ ذَلِكَ مَعِيبًا عَلَيْهَا إذْ كَانَ بِيَدِهَا فِيهِ مَا بِيَدِهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَهْمَانَ عَنْ أُمِّ بَكْرَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ أَنَّهَا اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَيْدٍ ثُمَّ أَتَيَا عُثْمَانَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هِيَ تَطْلِيقَةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ سَمَّيْت شَيْئًا فَهُوَ مَا سَمَّيْت فَعُثْمَانُ رضي الله عنه يُخْبِرُهُ أَنَّهُ إنْ سَمَّى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ كَانَ مَا سَمَّى وَلاَ يَقُولُ لَهُ لاَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تُسَمِّيَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ بَلْ فِي هَذَا الْقَوْلِ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنه قَالَ أَلْبَتَّةَ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقُلْت لَهُ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ يَجْعَلُهَا وَاحِدَةً فَقَالَ عُمَرُ لَوْ كَانَ الطَّلاَقُ أَلْفًا مَا أَبْقَتْ أَلْبَتَّةَ مِنْهُ شَيْئًا مَنْ قَالَ أَلْبَتَّةَ فَقَدْ رَمَى الْغَايَةَ الْقُصْوَى. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَحْكِ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمْ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ فِي أَلْبَتَّةَ أَنَّهُ عَابَ أَلْبَتَّةَ وَلاَ عَابَ ثَلاَثًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُخَيَّرَةِ إنْ خَيَّرَهَا زَوْجُهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ طَلُقَتْ ثَلاَثًا وَإِنْ قَالَ زَوْجُهَا لَمْ أُخَيِّرْك إلَّا فِي وَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ مَضَى مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ خَيَّرُوا وَخَيَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخِيَارُ إذَا اخْتَارَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا يَكُونُ ثَلاَثًا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْخِيَارَ لاَ يَحِلُّ لِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ كَانَ ثَلاَثًا وَإِذَا زَعَمَ أَنَّ الْخِيَارَ يَحِلُّ وَهِيَ إذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ ثَلاَثًا فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَازَ طَلاَقَ ثَلاَثٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ يَنْوِي ثَلاَثًا فَهِيَ ثَلاَثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ يَنْوِي بِهَا ثَلاَثًا فَهِيَ ثَلاَثٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ لاَ يَمْلِكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلاَ يَرَهَا وَلاَ يُخَالِعَهَا وَلاَ يَجْعَلَ إلَيْهَا طَلاَقًا بِخُلْعٍ وَلاَ غَيْرِهِ وَلاَ يُوقِعَ عَلَيْهَا طَلاَقًا إلَّا طَاهِرًا قَبْلَ جِمَاعٍ قِيَاسًا عَلَى الْمُطَلَّقَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ تَطْلُقَ طَاهِرًا وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} فَإِذَا كَانَ هَذَا طَلاَقًا يُوقِعُهُ الرَّجُلُ أَوْ تُوقِعُهُ الْمَرْأَةُ بِأَمْرِ الرَّجُلِ فَهُوَ كَإِيقَاعِهِ فَلاَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ إلَّا وَهِيَ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه تَأْخُذُ ثَلاَثًا وَتَدَعُ سَبْعًا وَتِسْعِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ عَطَاءً وَمُجَاهِدًا قَالاَ إنَّ رَجُلاً أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ طَلَّقْت امْرَأَتِي مِائَةً فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَأْخُذُ ثَلاَثًا وَتَدَعُ سَبْعًا وَتِسْعِينَ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ أَنَّ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَحْدَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ وَسَبْعًا وَتِسْعِينَ عُدْوَانًا اتَّخَذْت بِهَا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا فَعَابَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ كُلَّ مَا زَادَ عَلَى عَدَدِ الطَّلاَقِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَلَمْ يَعِبْ عَلَيْهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ إلَيْهِ مِنْ الثَّلاَثِ وَفِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ عِنْدَهُ أَنْ يُطَلِّقَ ثَلاَثًا وَلاَ يَجُوزُ لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمَّا خَصَّ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ وَحْيِهِ وَأَبَانَ مِنْ فَضْلِهِ مِنْ الْمُبَايَنَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ بِالْفَرْضِ عَلَى خَلْقِهِ بِطَاعَتِهِ فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وَقَالَ: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وَقَالَ: {لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} وَقَالَ: {إذَا نَاجَيْتُمْ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} وَقَالَ: {لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْيَاءَ خَفَّفَهَا عَنْ خَلْقِهِ لِيَزِيدَهُ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ قُرْبَةً إلَيْهِ وَكَرَامَةً وَأَبَاحَ لَهُ أَشْيَاءَ حَظَرَهَا عَلَى خَلْقِهِ زِيَادَةً فِي كَرَامَتِهِ وَتَبَيُّنًا لِفَضِيلَتِهِ مَعَ مَا لاَ يُحْصَى مِنْ كَرَامَتِهِ لَهُ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي مَوَاضِعِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَمِنْ ذَلِكَ مَنْ مَلَكَ زَوْجَةً سِوَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يُخْبِرَهَا فِي الْمُقَامِ مَعَهُ أَوْ فِرَاقِهَا لَهُ وَلَهُ حَبْسُهَا إذَا أَدَّى إلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَهَا وَإِنْ كَرِهَتْهُ وَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخَيِّرَ نِسَاءَهُ فَقَالَ: {قُلْ لِأَزْوَاجِك إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} إلَى قَوْلِهِ: {أَجْرًا عَظِيمًا} فَخَيَّرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَهُ فَلَمْ يَكُنْ الْخِيَارُ إذَا اخْتَرْنَهُ طَلاَقًا وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ طَلاَقًا إذَا اخْتَرْنَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكَانَ تَخْيِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إنْ أَرَدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا وَلَمْ يَخْتَرْنَهُ وَأَحْدَثَ لَهُنَّ طَلاَقًا لاَ لِيَجْعَلَ الطَّلاَقَ إلَيْهِنَّ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً} أُحْدِثُ لَكُنَّ إذَا اخْتَرْتُنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا مَتَاعًا وَسَرَاحًا فَلَمَّا اخْتَرْنَهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْدِثَ لَهُنَّ طَلاَقًا وَلاَ مَتَاعًا فَأَمَّا «قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرْنَاهُ» أَفَكَانَ ذَلِكَ طَلاَقًا؟ فَتَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحْدِثَ لَنَا طَلاَقًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ اخْتَرْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أَنْ يُمَتِّعَهُنَّ فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَلَمْ يُطَلِّقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَكُلُّ مَنْ خَيَّرَ امْرَأَتَهُ فَلَمْ تَخْتَرْ الطَّلاَقَ فَلاَ طَلاَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ خَيَّرَ فَلَيْسَ لَهُ الْخِيَارُ بِطَلاَقٍ حَتَّى تُطَلِّقَ الْمُخَيَّرَةُ نَفْسَهَا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ «أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَكَانَ ذَلِكَ طَلاَقًا أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِمِثْلِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَك حُسْنَهُنَّ إلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُك}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {لاَ يَحِلُّ لَك} بَعْدَ تَخْيِيرِهِ أَزْوَاجَهُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ كَأَنَّهَا تَعْنِي اللَّاتِي حَظَرْنَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لاَ يَحِلُّ لَك النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلاَ أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَحْسَبُ قَوْلَ عَائِشَةَ أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنَّا أَحْلَلْنَا لَك أَزْوَاجَك} إلَى قَوْلِهِ: {خَالِصَةً لَك مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَذَكَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا أُحِلَّ لَهُ فَذَكَرَ أَزْوَاجَهُ اللَّاتِي آتَى أُجُورَهُنَّ وَذَكَرَ بَنَاتِ عَمِّهِ وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَبَنَاتِ خَالِهِ وَبَنَاتِ خَالاَتِهِ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ قَالَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أُحِلَّ لَهُ مَعَ أَزْوَاجِهِ مَنْ لَيْسَ لَهُ بِزَوْجٍ يَوْمَ أُحِلَّ لَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَنَاتِ عَمِّهِ وَلاَ بَنَاتِ عَمَّاتِهِ وَلاَ بَنَاتِ خَالِهِ وَلاَ بَنَاتِ خَالاَتِهِ امْرَأَةٌ وَكَانَ عِنْدَهُ عَدَدُ نِسْوَةٍ وَعَلَى أَنَّهُ أَبَاحَ لَهُ مِنْ الْعَدَدِ مَا حَظَرَ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ لَمْ يأتهب بِغَيْرِ مَهْرٍ مَا حَظَرَهُ عَلَى غَيْرِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: ثُمَّ جَعَلَ لَهُ فِي اللَّاتِي يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ لَهُ أَنْ يأتهب وَيَتْرُكَ فَقَالَ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْك مَنْ تَشَاءُ} إلَى: {عَلَيْك}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ اتَّهَبَ مِنْهُنَّ فَهِيَ زَوْجَةٌ لاَ تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَمَنْ لَمْ يأتهب فَلَيْسَ يَقَعُ عَلَيْهَا اسْمُ زَوْجَةٍ وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ امْرَأَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَتْ قِيَامًا طَوِيلاً فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَك بِهَا حَاجَةٌ فَذَكَرَ أَنَّهُ زَوَّجَهُ إيَّاهَا».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكَانَ مِمَّا خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وَقَالَ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} فَحَرَّمَ نِكَاحَ نِسَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ لَيْسَ هَكَذَا نِسَاءُ أَحَدٍ غَيْرِهِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنْ النِّسَاءِ إنْ اتَّقَيْتُنَّ} فَأَثَابَهُنَّ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَقَوْلُهُ: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} مِثْلُ مَا وَصَفْت مِنْ اتِّسَاعِ لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ تَجْمَعُ مَعَانِيَ مُخْتَلِفَةً وَمِمَّا وَصَفْت مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَحْكَمَ كَثِيرًا مِنْ فَرَائِضِهِ بِوَحْيِهِ وَسَنِّ شَرَائِعَ وَاخْتِلاَفِهَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَفِي فِعْلِهِ فَقَوْلُهُ: {أُمَّهَاتُهُمْ} يَعْنِي فِي مَعْنًى دُونَ مَعْنًى وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَهُمْ نِكَاحُهُنَّ بِحَالٍ وَلاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتٍ لَوْ كُنَّ لَهُنَّ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِكَاحُ بَنَاتِ أُمَّهَاتِهِمْ اللَّاتِي وَلَدْنَهُمْ أَوْ أَرْضَعْنَهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَه وَهُوَ أَبُو الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ بِنْتُ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَوَّجَهَا عَلِيًّا رضي الله عنه وَزَوَّجَ رُقَيَّةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ عُثْمَانَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» وَأَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ تَزَوَّجَتْ، وَأَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّ طَلْحَةَ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ الْأُخْرَى وَهُمَا أُخْتَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ تَزَوَّجَ ابْنَةَ جَحْشٍ أُخْتَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ وَلاَ يَرِثُهُنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَلاَ يَرِثْنَهُمْ كَمَا يَرِثُونَ أُمَّهَاتِهِمْ وَيَرِثْنَهُمْ وَيُشْبِهْنَ أَنْ يَكُنَّ أُمَّهَاتٍ لِعِظَمِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ مَعَ تَحْرِيمِ نِكَاحِهِنَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَقَدْ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ فِي النَّازِلَةِ يَنْزِلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ مِنْ أُنْزِلَتْ فِيهِ كَالْعَامَّةِ فِي الظَّاهِرِ وَهِيَ يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ وَالْمَعْنَى دُونَ مَا سِوَاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمَرْأَةِ تَرُبُّ أَمْرَهُمْ أُمَّنَا وَأُمَّ الْعِيَالِ وَتَقُولُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ يَتَوَلَّى أَنْ يَقُوتَهُمْ أُمَّ الْعِيَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْأُمِّ الَّتِي تُرَبُّ أَمْرَ الْعِيَالِ وَقَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا وَهُوَ يَذْكُرُ غَزَاةً غَزَاهَا وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِيَ قُوتَهُمْ: وَأُمُّ عِيَالٍ قَدْ شَهِدْت تَقُوتُهُمْ إذَا احترتهم أَقْفَرَتْ وَأَقَلَّتْ تَخَالَفَ عَلَيْنَا الْجُوعُ إنْ هِيَ أَكْثَرَتْ وَنَحْنُ جِيَاعٌ أَيْ أَوَّل تَأَلَّتْ وَمَا إنْ بِهَا ضَنٌّ بِمَا فِي وِعَائِهَا وَلَكِنَّهَا مِنْ خَشْيَةِ الْجُوعِ أَبْقَتْ قُلْت: الرَّجُلُ يُسَمَّى أُمًّا وَقَدْ تَقُولُ الْعَرَبُ لِلنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ وَالْأَرْضِ هَذِهِ أُمُّ عِيَالِنَا عَلَى مَعْنَى الَّتِي تَقُوتُ عِيَالَنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إنْ أُمَّهَاتُهُمْ إلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} يَعْنِي أَنَّ اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ أُمَّهَاتُهُمْ بِكُلِّ حَالٍ الْوَارِثَاتُ وَالْمَوْرُوثَاتُ الْمُحَرَّمَاتُ بِأَنْفُسِهِنَّ وَالْمُحَرَّمُ بِهِنَّ غَيْرُهُنَّ اللَّائِي لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلَّا أُمَّهَاتٍ لَيْسَ اللَّائِي يُحْدِثْنَ رَضَاعًا لِلْمَوْلُودِ فَيَكُنَّ بِهِ أُمَّهَاتٍ وَقَدْ كُنَّ قَبْلَ إرْضَاعِهِ غَيْرَ أُمَّهَاتٍ لَهُ وَلاَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً يَحْرُمْنَ بِحُرْمَةٍ أَحْدَثْنَهَا أَوْ يُحْدِثُهَا الرَّجُلُ أَوْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اللَّائِي حُرِّمْنَ بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ هَؤُلاَءِ يَحْرُمْنَ بِشَيْءٍ يُحْدِثُهُ رَجُلٌ يُحَرِّمُهُنَّ أَوْ يُحْدِثْنَهُ أَوْ حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأُمُّ تُحَرِّمُ نَفْسَهَا وَتَرِثُ وَتُورَثُ فَيَحْرُمُ بِهَا غَيْرُهَا فَأَرَادَ بِهَا الْأُمَّ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهَا لاَ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ كَمَا وَصَفْنَا مِمَّنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأُمِّ غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: فِي هَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى أَشْبَاهٍ لَهُ مِنْ الْقُرْآنِ جَهِلَهَا مَنْ قَصَرَ عِلْمُهُ بِاللِّسَانِ وَالْفِقْهِ فَأَمَّا مَا سِوَى مَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَدَدِ النِّسَاءِ أَكْثَرَ مِمَّا لِلنَّاسِ وَمَنْ اتَّهَبَ بِغَيْرِ مَهْرٍ وَمِنْ أَنْ أَزْوَاجَهُ أُمَّهَاتُهُمْ لاَ يَحْلُلْنَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُ وَمَا فِي مِثْلِ مَعْنَاهُ مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فِيمَا يَحِلُّ مِنْهُنَّ وَيَحْرُمُ بِالْحَادِثِ وَلاَ يَعْلَمُ حَالَ النَّاسِ يُخَالِفُ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يُقَسِّمُ لِنِسَائِهِ فَإِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ وَهَذَا لِكُلِّ مَنْ لَهُ أَزْوَاجٌ مِنْ النَّاسِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ شِهَابٍ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّهُ أَرَادَ فِرَاقَ سَوْدَةَ فَقَالَتْ لاَ تُفَارِقْنِي وَدَعْنِي حَتَّى يَحْشُرَنِي اللَّهُ فِي أَزْوَاجِك وَأَنَا أَهَبُ لَيْلَتِي وَيَوْمِي لِأُخْتِي عَائِشَةَ» قَالَ وَقَدْ فَعَلَتْ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ شَبِيهًا بِهَذَا حِينَ أَرَادَ زَوْجُهَا طَلاَقَهَا وَنَزَلَ فِيهَا ذِكْرٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي ذَلِكَ {وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} إلَى: {صُلْحًا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا مَوْضُوعٌ فِي مَوْضِعِهِ بِحُجَجِهِ أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ «عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَك فِي أُخْتِي بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفْعَلُ مَاذَا؟ قَالَتْ تَنْكِحُهَا قَالَ أُخْتُك قَالَتْ نَعَمْ قَالَ أَوَتُحِبِّينَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ نَعَمْ لَسْت لَك بِمُخَلِّيَةٍ وَأَحَبُّ مَنْ شَرِكَنِي فِي خَيْرٍ أُخْتِي قَالَ فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لِي فَقُلْت وَاَللَّهِ لَقَدْ أُخْبِرْت أَنَّك تَخْطُبُ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ؟ قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَوَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَرْضَعَتْنِي وَإِيَّاهَا ثُوَيْبَةُ فَلاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ». قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَكُلُّ مَا وَصَفْت لَك مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَ لَهُ دُونَ النَّاسِ وَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ أَوْ أَمْرٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ عِنْدَنَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ.
|